تشجيع المشروعات الأسرية أولى خطوات تحقيق الأمن الغذائي المحلي

مدة القراءة 10 دقيقة/دقائق

الحرية – مركزان الخليل :
لنكن جميعنا واضحين ومدركين للخطر الذي يهدّد وجودنا وحياتنا ضمن ظروف صعبة، غيّرت معالم المنطقة، وأهدرت طاقاتها المادية والبشرية بسبب حرب امتدت لسنوات طوال، ما زلنا نعيش منعكاساتها السلبية حتى الآن، إلى جانب انحراف كبير في طبيعة المناخ، وتغيّرها بصورة عكست سلبيتها على مفردات الحياة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
وهذه حقيقة لا يستطيع أحد تجاهلها سواء على المستوى الخارجي, أو على المستوى المحلي، منها مؤسسات وحكومات دول، الكثير منها كان سبباً رئيسياً لما وصل إليه العالم، من تدهور بيئي، كان السبب الرئيسي في تغيّر أنماط الحياة الاقتصادية والاجتماعية, وظهور كوارث طبيعية نتيجة الانزياح المناخي والجغرافي، والآثار السلبية التي سيتركها على مستقبل الشعوب.

خطورة مزدوجة

وهذا الأمر ليس على مستوى سوريا فحسب، بل على مستوى العالم، حيث دقّت المؤسسات المعنية “ناقوس” الخطر على الأمن الغذائي، بسبب الحروب، وتغيّر المناخ، وحدوث أزمة مائية، هي الأخطر منذ عقود مضت تترك أثاراً سلبية وانعكاسات سلبية على جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية, وتغييراً واضحاً في السلوك يظهر من خلال طريقة التعاطي مع هذه الأزمة وما ينتج عنها من معطيات ومنعكسات سلبية على المجتمع، تشكّل بمضمونها “خطورة مزدوجة” وكل واحدة منها هي نتيجة للأخرى “المياه والغذاء” والأخطر من ذلك حالة الضعف في المعالجة، لدى المؤسسات المعنية، وهذا ليس على مستوى بلدنا فحسب، بل على مستوى العالم..!

“الفاو” أكدت تضرر 2,5 مليون هكتار من الأراضي المزروعة بالقمح في سوريا بسبب الظروف المناخية السيئة، وتهديد أكثر من 16 مليون سوري بانعدام الأمن الغذائي

الفاو قالت وحذرت..

وهنا أستشهد بتقرير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” منذ أيام قليلة، حيث حذّر فيه من أن حوالي 2.5 مليون هكتار من الأراضي المزروعة بالقمح في سوريا قد تضرّرت بسبب الظروف المناخية السيئة، ما يهدّد أكثر من 16 مليون سوري بانعدام الأمن الغذائي.
وفقاً لمساعِدة ممثل “فاو” في سوريا، هيا أبو عساف، فإن الظروف المناخية القاسية التي شهدها الموسم الزراعي الحالي تعدُّ “الأسوأ منذ 60 عاماً”. ومن المتوقع أن تضطر السلطات في سوريا للاعتماد على الاستيراد.
كما تشير التقارير إلى أن هذه الظروف أثّرت على حوالي 75% من المساحات المزروعة والمراعي الطبيعية للإنتاج الحيواني وشهدت سوريا شتاءً قصيراً وانخفاضاً في مستوى الأمطار، ما أدى إلى تضرر 95% من القمح البعل، بينما سيعطي القمح المروي إنتاجاً أقل بنسبة 30 إلى 40% من المعدّل المعتاد.
أبو عساف أضافت إن هذا الأمر سيؤدي إلى “فجوة” تتراوح بين 2.5 إلى 2.7 مليون طن، ما يضع حوالي “16.3 مليون إنسان” أمام خطر انعدام الأمن الغذائي هذا العام.

تساؤلات

وبالتالي كل ذلك يشكل تحديات كبيرة أمام الحكومة الحالية، مثلما كان في الماضي تحديات عجزت كل الحكومات المتعاقبة عن المعالجة، وتركت الأمور تتفاقم لتزداد الخطورة أكثر…؟!
الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات حول طرق المعالجة، الإجراءات المشجعة لزيادة الاستثمار في المجال الزراعي، وما السبيل للخلاص من ذلك ودعم هذا القطاع لتحقيق موارد إضافية تعزز الأمن الغذائي المحلي ..؟ والأهم ما دور رؤوس الأموال في تحقيق الأمن الغذائي المحلي بالدرجة الأولى..؟

“عفيف”: العناية بالمشروعات الأسرية، وتقديم وسائل الدعم لها، إجراءات مهمة لتحقيق الأمن الغذائي، وقبلها تأمين السوق المحلية ودخولها عالم التصدير

مقاربة للواقع

الخبير الزراعي أكرم عفيف لديه رؤية قريبة إلى حد بعيد من الواقع، يحدّد فيها كيفية تجاوز الأزمة بكل أقطابها، حيث يؤكد وجوب العمل فوراً على تشجيع المشروعات الأسرية، والتي كان يبدع فيها السوريون، ويحققون الاكتفاء الذاتي منها، وفي المناطق الجبلية التي كانت تفتقد للموارد، كانت الأسرة تلجأ إلى مشروع صغير جداً، يتمثل بقطعة أرض محصورة بين الحجارة، تجعلها الأسرة صالحة لزراعة القمح والخضراوات وتربية الحيوانات والدجاج، وأنواع أخرى من الطيور، إلى جانب الخضراوات: “الفاصولياء والبندورة والكوسا والباذنجان وغير ذلك كثير”، وكل هذا بقصد تحقق الاكتفاء الذاتي.
من هنا تبدأ مسألة العناية بالمشروعات الأسرية، والتي تبدأ من القرى الأشد فقراً والقرى معدومة الموارد، إلى القرى التي تتمتع بالموارد المطلوبة، لزيادة فاعلية المشروعات الأسرية، وتحقيق كفايتها، وفائض إنتاجها من نصيب السوق المحلية، وصولاً إلى التصدير الخارجي، وبالتالي تبني هذه المشروعات الأسرية الصغيرة، ودعمها بالصورة المطلوبة، من شأنها تأمين السوق المحلية وحمايتها أيضاً، وبالتالي هنا نكون قد بدأنا بأولى خطوات تحقيق الأمن الغذائي على الصعيد المحلي.

“عفيف” الخلاص من مشاركة أصحاب النفوذ في المشروعات الاستثمارية مهد الطريق أمام المستثمرين، وشجعهم على الاستثمار بمشروعات تحقق الاكتفاء الذاتي

شراكة فاعلة

أما فيما يتعلق الإجراءات المشجعة لزيادة الاستثمار في المجال الزراعي فقد أكد “عفيف” أن هذه الإجراءات قد بدأت وذلك من خلال التخلص من المشاركة في المشروع في العهد البائد، حيث انتهت هذه الظاهرة ويستطيع أي مستثمر ممارسة نشاطه، من دون شريك مفروض، لا بل يستطيع التصدير من دون معوقات ورسوم وضرائب وإتاوات مفروضة، أثرت بشكل كبير في تراجع حجم التصدير، على كل المستويات، وفقدان عنصر المنافسة في الأسواق الخارجية.. كل مستثمر في السابق يريد الاستثمار لا بد من شريك مفروض من أهل السلطة البائدة.
واليوم يرى “عفيف” أنه من الإجراءات المشجعة “التوعية” المستمرة للمشروعات الأسرية، لكونها النشاط الاقتصادي الذي يحقق الاكتفاء الذاتي، إلى جانب ضرورة العمل لدمج الاقتصاديات المتوسطة والأسرية، نذكر على سبيل المثال: مستثمر يريد الاستثمار في قطاع الأبقار، ويحتاج إلى مزارع وأبقار وأراضٍ، وتجهيزات وعاملين، وكتلة رواتب وأجور، وآليات، وبالتالي يحتاج إلى سنوات ومليارات الليرات، لكن بصورة أخرى، نحن قادرون أن ننجز خمسين ضعفاً من عديد الأبقار نظرياً في أربع وعشرين ساعة، وبعد أربع ساعات يمكن أن نعطي الحليب، وذلك من خلال شراكة فاعلة بين الاقتصاديات المتوسطة والأسرية، وبين هذا المستثمر.
وهناك شراكة أخرى تتمثل في تأمين الأبقار وتقديمها للأسرة، فمثلاً الأسرة التي تملك “بايكة” لتربية البقر، أعطيها حسب قدرتها على الاستيعاب من الأبقار مقابل ثمنها من الشخص نفسه، أو من جهة تمويلية تتبنى طريقة التمويل، مقابل تسديدها من كميات الحليب المنتجة يومياً، وبنسبة متفق عليها بحيث يستطع المربي تسديد قيمتها خلال مدة زمنية تحقق المنفعة لجميع الأطراف، إضافة إلى جوانب أخرى تخدم التربية منها معامل الأعلاف وغيرها.

“عفيف”: المشروع المجتمعي ينفي الهدر، وتكاليفه منخفضة، وقادر على التسويق بأسعار منافسة، على المستوى المحلي والخارجي

صناديق حماية

عفيف يقترح إجراءً آخر لا يقل أهمية عمّا سبق، يكمن في فرض رسم مالي على كل بقرة في القرية أو المنطقة المستهدفة، وليكن خمسين ألفاً من خلال لجنة خاصة تؤسس صندوقاً يتم تجميع هذه الأموال فيه، للتعويض عن المخاطر التي يتعرّض لها المربي والتي أخطرها النفوق، حيث يتم التعويض من خلال الصندوق الذي يمثل حالة تأمينية على مستوى القرية الواحدة، أو المشروعات المستهدفة.
وأيضاً فرض رسم آخر على البقرة بقيمة عشرة آلاف ليرة، وهذا نسمّيه تأمين صحي لمعالجة الأمراض وتعويض الضرر، من خلال صندوق خاص بهذا المجال، إلى جانب مشروعات أسرية داعمة، تتعلّق بطريقة استنباط المواد العلفية: كالشعير، الأمر الذي يخفّض من تكاليف التربية.

تشجيع الاستثمار الخارجي

والجانب المهم أيضاً عندما نعمل ضمن الإطار المجتمعي نستطيع تشجيع الشركات الخارجية على الاستثمار في هذا الجانب، وإقامة وحدات تشغيل ألبان وأجبان، على نفقتها الخاصة، ووضع علامتها التجارية لتسويق المنتج والدخول فيه إلى كل الأسواق، ونحن قادرون كمجتمع سوري على تحقيق ذلك، وكذلك قادرون على تجاوز محنتنا الحالية من خلال ذلك، وبالتالي الفرق بين المشروع الأسري والصغير، المشروع الصغير يحتاج إلى أكثر من شخص، أو أكثر من عائلة، ومدة تشغيل وساعات عمل وغير ذلك، في حين المشروع الأسري، يمكن العمل فيه في أي وقت وبراحة صاحب المشروع، ووفق الكميات القادر على إنتاجها، وهنا تبرز أهمية العمل التعاقدي، أو الزراعة التعاقدية والتي تنشط الإنتاج والمنتجين، ورفد الأسواق بمنتجات جديدة رخيصة الثمن وبجودة عالية، مقابل جهود مرتبطة بطبيعة الأسرة وعملها، على جانب عمليات ربط مع الشركات للاستفادة من مخلفات الحيوانات، وفق استثمار يستفيد منه الجميع.
وأوضح عفيف أن المشروع المجتمعي لا يوجد فيه هدر، والمدد الزمنية تصل إلى الصفر، وتخفيض التكاليف، وقادر على التسويق بأسعار منافسة، على المستوى المحلي والخارجي.

تجارب من الواقع

أما فيما يتعلق بدور رؤوس الأموال في تحقيق الأمن الغذائي السوري، فهي لها دور كبير في تنفيذ المشروعات الأسرية، وذلك من خلال المشاركة بالمشروعات على اختلاف حجمها، والتي تبدأ بمشروعات صغيرة لتكبر بتطور بعدها، وهناك تجارب كثيرة في هذا المجال، نذكر على سبيل المثال، استيراد البط المصري وتربيته، والذي بدأ بمشروع واحد وبأربع بطات، واليوم أصبح هناك 16 مشروعاً وبقيمة مليونين ونصف المليون ليرة، والشركة المشاركة مقابل رأس المال تطلب “اللحم والبيض” وهذه مبادرة مجتمعية يمكن من خلالها تحقيق عوائد اقتصادية تؤدي إلى استقرار السوق، والأهم الاستقرار الأسري المادي، إلى جانب المنافسة بين المشروعات المذكورة لتوسيع دائرة الإنتاج مع الفائزين، وربط هذه الأسر بجمعية المصدرين الزراعيين السوريين، وبنك الإبداعات المموّل الرئيسي لهذه المشروعات، وهؤلاء إلى جانب مؤسسة المشروعات الأسرية السورية.
وبالنتيجة نجد أن مبادرة المشروعات الأسرية تهدف إلى جمع الطاقات وإمكانات وإبداعات، وعلوم وقيم السوريين في عملية تنموية شاملة.

Leave a Comment
آخر الأخبار