تمجيد الرماد

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية- علي الرّاعي:
ثمة علاقة مدهشة، وهي أيضاً ملتبسة اليوم؛ تلك العلاقة التي تحكم بين القصيدة والمتلقي، إذ تفرض العلاقة «الصّحية» بين هذين الطرفين، أن يتطورا معاً.
غير أنّ المدهش بينهما؛ أنه كلما تراجع جمهور القصيدة واندثر واندحر واضمحل، كلما تطورت القصيدة، وزادت الأماسي وكذلك زيادة إصدار المجموعات والمهرجانات الشعرية وتكاثرت.
ومن هنا يبدو الالتباس، ذلك أن كل هذا «الحراك الشعري» الذي غالباً ما يتم الاستزادة في تبهيره، كأن يُرافق الأمسية الشعرية الموسيقا والمسرح وحتى الفنون التشكيلية عسى بذلك أن يتم «القبض» على متلقٍ ما، غير أن كل ذلك الإبهار والتبهير، لم يُحدث لدى المتلقي سوى جلبة عابرة، بل إن الكثيرين شبهوا هذه الأماسي الشعرية بمجالس عزاءٍ شعري.‏
ليس معنى ما تقدم، أن فنون الإبداع الأخرى هي بحالة تصالحٍ مع هذا المتلقي التائه في دروب آخرها درب القراءة والثقافة، وإنما نذكر الشعر، لأنه الإبداع الوحيد ربما يُمكن للعرب أن يكونوا قد أنجزوا من خلاله ما يُعتدُّ به أكثر من أي إبداعٍ آخر، وإن كان للسوريين، أي للشعوب القديمة في بلاد الفينيقيين والعراق ومصر أن أبدعوا إلى جانب الشعر فنوناً أخرى كالنحت وغيره من فنون، فإن العرب بشكلٍ عام كان ميدانهم الإبداعي وما يزال إلى اليوم؛ هو القصيدة، ولا يغرنك الحديث المتخم بالنشوة عن «ازدهار الرواية».‏
نتحدث عن القصيدة باعتبارها استطاعت أن تخلق أقطابها في مختلف المناطق العربية لاسيما في سوريّا التي استحوذت على نصيب الأسد من هؤلاء المبدعين الذين شغلوا الناس لأزمان طويلة بما قدموه من إبداع في “ديوان العرب”، كما كان لهم قصب السبق في تسجيل الانعطافات الشعرية كالانتقال من القصيدة الموزونة إلى التفعيلة، ومن ثم إلى فضاءات قصيدة النثر والشعر الحر.
واليوم إن كان ثمة تلقي للقصيدة؛ فهو على السوشيال ميديا، حيث استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي أن تقدم القصيدة لمتلقي لا يزال يجد نفسه مرتاحاً، أو يمكن له أن يُقيم في “بيت القصيد”، وغير ذلك ليس سوى السراب.
مع ذلك، ورغم كل هذه القدامة الشعرية، وعمق القصيدة في الذهنية العربية، فقد بقيت الملتقيات التي تُقام لأجلها مصابة بالانغلاق على فئة معينة، ملتقيات ومهرجانات وأماسٍ، تأتي مُباغتة كما الفصول، تعدُ بالكثير، لكنها غالباً ما تبخس حتى الخيبة، مهرجانات تُعقب بانطفاء سريع للوهج الذي يتجلى خُلبياً، ولم يبق بعدها غير تمجيد الرماد.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار