تمهيداً لعودة الاستقرار الاقتصادي والمالي. . “المركزي” يدعو البنوك الأمريكية لإعادة العلاقات المصرفية 

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية : يسرى المصري:

وجه حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية دعوة رسمية للبنوك الأمريكية لإعادة العلاقات المصرفية.

وتأتي هذه الدعوة بعد تنفيذ مصرف سوريا المركزي مؤخراً أول تحويل دولي مباشر عبر نظام سويفت في خطوة تُعد من أبرز المؤشرات على تحولات قادمة في القطاع المالي السوري.

كما أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، أن المصرف شرع في اتخاذ خطوات عملية لإعادة تفعيل نظام التحويلات المالية العالمي “سويفت”، وذلك في إطار مساعٍ رسمية لربط النظام المصرفي السوري بالمنظومة المالية الدولية، بعد إعلان رفع العقوبات الغربية عن البلاد.

وأوضح حصرية، في مقابلة تلفزيونية، أن هذه الخطوة تأتي ضمن خطة شاملة لإعادة دمج القطاع المصرفي السوري في الاقتصاد العالمي، مؤكداً أن المصرف يعمل على استكمال الإجراءات الفنية واللوجستية المطلوبة لتفعيل هذا النظام.

ولفت حصرية إلى أن اهتماماً دولياً ملحوظاً بدأ يظهر حتى قبل الإعلان عن رفع العقوبات، إذ أبدى أكثر من 50 بنكاً عربياَ ودولياَ رغبته في فتح فروع له في سوريا والاستثمار في القطاع المصرفي المحلي، وذلك يعكس ثقة متزايدة بعودة الاستقرار الاقتصادي والمالي.

50 بنكاً عربياً ودولياً يتسابقون لفتح فروع والاستثمار في القطاع المصرفي المحلي .. 

وتُعد إعادة تفعيل نظام “سويفت” خطوة بالغة الأهمية للاقتصاد السوري، إذ تمهد الطريق لتيسير التحويلات المالية الخارجية، وتعزز حركة التجارة والاستثمار، وتفتح المجال أمام المؤسسات المالية السورية لإجراء تعاملات مباشرة وآمنة مع المصارف العالمية، وفق مراقبين.

التحديات وسبل التعافي

الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي بيّن في تصريح خاص للحرية أن الانخراط مجدداً في المنظومة المصرفية الدولية قد يحمل فرصاً كبيرة، لكنه يظل مشروطاً بإصلاحات اقتصادية ومصرفية شاملة.

ستسمح بإجراء التحويلات المالية بشكل مباشر، من دون الحاجة إلى وسطاء أو ما يُعرف “بالتحويل الأسود”.

ستخفّض من تكلفة التحويلات، خصوصاً في بلدان مثل تركيا والعراق ودول المهجر.

وستسرّع الإجراءات المالية وتقلل من المخاطر، وتُحسّن كفاءة التجارة الداخلية، وتخفض تكاليف التجارة الخارجية.

ستسهم في دعم جوانب اقتصادية مهمة، أبرزها زيادة التدفقات المالية الأجنبية، وتعزيز احتياطيات مصرف سوريا المركزي، إلى جانب تسهيل حركة أموال المستثمرين.

ستحفز قطاعات حيوية مثل الصناعة والزراعة والتجارة.

ولفت الدكتور قوشجي إلى أنّ الاقتصاد السوري يعاني من تحديات هيكلية جوهرية، إذ يضم قطاعاً عاماً ضخماً لكنه ضعيف ومترهل، إلى جانب قطاع خاص يتركز نشاطه في الصناعات التحويلية، معتمداً بشكل كبير على الاستيراد في مستلزمات الإنتاج. في ظل هذه الظروف، شهد الناتج المحلي الإجمالي انخفاضاً حاداً، حيث تراجع من 70 مليار دولار عام 2010 إلى أقل من 5 مليارات دولار عام 2024، ما أدى إلى انكماش اقتصادي واضح، وارتفاع معدل الفقر إلى 90%، إضافة إلى الأعباء الناجمة عن عودة المهجرين.

هذا التراجع يرفع مؤشرات العجز الاقتصادي، ويزيد مستوى الحاجة والعوز لدى أغلبية المجتمع السوري. وللخروج من حالة الانكماش، يتطلب الأمر الإسراع في التحول الاقتصادي، وخلق سوق تنافسية تسهم في خفض الأسعار، بالتوازي مع زيادة حقيقية في متوسط دخل الفرد عبر رفع الأجور للقطاعين العام والخاص. فمن دون تحسن دخل الفرد، سيظل الطلب على السلع والخدمات محدوداً، ما ينعكس سلباً على النشاط الاقتصادي بشكل عام.

آليات التحفيز الاقتصادي السريعة التي لا تحتاج إلى وقت طويل لظهور نتائجها

1. تحفيز الإنتاج المحلي: لا يكفي رفع الأجور فحسب، بل يجب دعم الإنتاج عبر خفض تكاليف المواد الأولية والطاقة، وتوفير بيئة أعمال مستقرة وتنافسية.

2. إصلاح النظام المصرفي: يشمل ذلك إعادة تفعيل القروض الاستثمارية بفوائد منخفضة بدل الفوائد المرتفعة المعمول بها حالياً والتي تتجاوز 20%، وهو ما يعد عاملاً طارداً للاستثمار. كما يجب حل أزمة الودائع المصرفية وإعادة الثقة بالجهاز المصرفي، خاصة أن هذه المشكلة قد طال أمدها رغم إمكانية حلها في وقت أقل.

3. تنويع مصادر التمويل: يمكن الاعتماد على الصكوك الإسلامية كأداة دعم مالي للمشاريع الإنتاجية، ما يسهم في تنشيط الاستثمار.

4. تهيئة المناخ الاستثماري: يتطلب ذلك تعديلاً سريعًا في التشريعات لتسهيل الاستثمار المحلي والأجنبي، مع التركيز على حل المشكلات التي تعوق المستثمرين السوريين منذ عقود.

دور الاستثمار في تحقيق النمو

الاستثمار هو العنصر الأساسي في تحفيز النمو الاقتصادي، إذ يسهم في خلق فرص العمل، وزيادة الدخل القومي، ما يعزز الطلب على المنتجات والخدمات. لذا، يجب العمل على إعادة هيكلة النظام المالي لتسهيل الاستثمار المحلي، وتفعيل سياسات اقتصادية تشجع على الإنتاج المحلي بددلاً من الاعتماد على الاستيراد، لأن الاستثمار الأجنبي سيكون مركّزاً في القطاعات الإستراتيجية فقط، مما لا يكفي لاستعادة النشاط الاقتصادي بالكامل.

بإجراء هذه الإصلاحات، يمكن لسوريا أن تبدأ مرحلة التعافي الاقتصادي، مستندة إلى دعم الإنتاج، وزيادة دخل الفرد، وخلق بيئة استثمارية مشجعة. وهكذا يبدأ شعور المواطنين بالانتعاش الاقتصادي وانخفاض مؤشرات الفقر والحاجة.

لماذا تم تعطيل “سويفت” في سوريا؟

وكان قد تم تعليق وصول المصارف السورية إلى نظام “سويفت” في إطار العقوبات الاقتصادية الغربية التي فُرضت على دمشق خلال السنوات الماضية، خاصة بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، واستخدام النظام الحل الأمني في مواجهة المتظاهرين.

وشملت العقوبات حينئذ قيوداً مالية وتجارية هدفت إلى عزل النظام السوري دوليا، ومن ثم أفضت إلى تعطيل قدرة البنوك على تنفيذ التحويلات الدولية أو التعامل المباشر مع المصارف الأجنبية.

ورفعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية عن سوريا، ما قد يبعث الآمال لدى السوريين بتحسن في الحالة الاقتصادية العامة والأمور المعيشية بعد عقود عاشوها من فساد ممنهج مارسه النظام المخلوع في مؤسسات الدولة وعلى اقتصادها، وبعد حرب طاحنة استنزفت موارد البلاد ونظام سخرها للقمع والدمار.

وتعيش البلاد تحديات اقتصادية بارزة تقع أمام طريق التعافي وقرارات الحكومة السورية، وذلك منذ سقوط النظام وتركه إرثاً ثقيلاً واقتصاداً منهكاً سيحتاج إلى سنوات من الإصلاح والدعم الدولي الكافي لكي يتم الوصول إلى حالة مستقرة.

ما الذي تعنيه عودة نظام “سويفت” للاقتصاد السوري؟

وتسبب ذلك في تعقيد العمليات المصرفية، وعرقلة الاستيراد والتصدير، وزيادة الاعتماد على شبكات غير رسمية للتحويلات المالية، فأثّر سلبا على الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص.

تكامل مالي ودولي

ويصف المحلل الاقتصادي يونس الكريم في تصريح إعلامي نظام “سويفت” بأنه العمود الفقري للتواصل بين البنوك في العالم، لأنه يوفر بيئة موثوقة وشفافة للمعاملات المالية الخارجية.

وأضاف أن انضمام أي بنك إلى هذه المنظومة يجعله مقبولاً دولياً وآمناً للتعامل، ويُعزز من مصداقيته في الأسواق العالمية.

وأشار الكريم إلى أنّ عودة سوريا إلى نظام “سويفت” تعني بدء التكامل المالي مع النظام المصرفي العالمي. فيمكن للبنك المركزي، إلى جانب البنوك العامة والخاصة، إجراء التحويلات الدولية، واستقبال الحوالات، وسداد الالتزامات المالية، والحصول على التمويل عبر القروض الدولية.

وأوضح أنّ الانخراط في “سويفت” يُعد أحد مؤشرات الخروج من العزلة الاقتصادية، ويمثل التزاماً بمعايير الشفافية الدولية، إذ يتيح هذا النظام متابعة دقيقة لحركة الأموال، ويُقلل من احتمالات استخدام النظام المالي في عمليات مشبوهة.

وبحسب الكريم، فإن وجود هذا النظام يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، لأنه يعكس التزام الدولة بالمعايير الدولية، ويُطمئن الشركات والممولين العالميين، كما يسهّل حصول البلاد على مساعدات وقروض ائتمانية.

إصلاحات مطلوبة

ويؤكد الخبير المالي والمصرفي فراس شعبو أن إعادة ربط المؤسسات المالية السورية بالمنظومة المصرفية العالمية، وعودة البلاد إلى واجهة التعاملات الدولية من خلال “سويفت”، تُعد خطوة بالغة الأهمية نحو إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي.

Leave a Comment
آخر الأخبار
اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تعقد اجتماعاً تشاورياً في حمص: الإصغاء لجميع الآراء وإعادة النظر ... «صناعة دمشق وريفها» تبحث مع السفارة البولندية سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والصناعي بين البلدين تحوّل من فعالية محلية إلى منصة إقليمية عالمية... «فود إكسبو» يسهم في تعزيز الصادرات الغذائية السوري... جريمة رقمية بأبعاد قانونية.. الابتزاز الإلكتروني شبح الشاشات وخارطة النجاة برؤية خبراء نجاحها يعتمد على الشفافية والتعاون الإقليمي والدولي.. منحة البنك الدولي بداية لتحسّن محدود في قطاع ا... المال يؤمن ويجلب أسبابها.. اختصاصي نفسي: السعادة مصطلح فضفاض يصعب إدراكه غرائب وعجائب في انتخابات اتحادات ألعابنا.. لم تنتخب نفسها! مرغوبة جداً للمائدة والتصنيع.. طرح البندورة «الحورانية» يتزايد في الأسواق أهالي "كرسانا "يناشدون المعنيين بالترحيل وإيقاف الحرق العشوائي للقمامة  آلاف جرعات اللقاح لتحصين الثروة الحيوانيّة في ديرالزور