الحرية- رنا بغدان:
تناولت كتب التراث العربي وأمهاته أجمل الأشعار وأحلى الأهازيج وأبلغ الكتابات التي عبرت عن التهاني والتبريكات بالنصر في الوقائع والفتوحات والحروب, واستطاع النثر الأدبي على مرِّ العصور وعبر أساليبه اللغوية المتنوعة تَرك بصمته الفنية المميزة لإثبات مكانته إلى جانب الشِّعر في التعبير عن الأحداث وتدوينها، وفي قدرته على التعبير عن غاية كاتبها وتجربته الفكرية والشعورية بأسلوب سهل واضح مع الالتزام بالأساليب الفنية البليغة واللغة الفصيحة.
من هنا لم تقتصر التهاني بالنصر والفتوح على الشعر بل أخذ النثر الفني منها نصيباً وافراً, وقد خصصت الموسوعات الأدبية الكبرى التي تناولت تاريخ تراثنا العربي فصولاً كاملة ضمَّنتها “ما قيل في التهاني بالفتوحات وهزيمة جيوش الأعداء”.
فقد خصّص “ابن حمدون” في الفصلَ الأول من “باب التهاني” في كتابه “التذكرة الحمدونية” مكاناً للتهنئة بـ”الفتوح”, كما فعل ذلك “النويري” في كتابه “نهاية الأرب”, فقد اختار هذان الأديبان أجمل رسائل النثر البديع في التهاني بالنصر والفتوح, فمن ذلك ما كتب به “المهلب بن أبي صفرة” إلى “الحَجّاج بن يوسف الثقفي” في حرب الأزارقة… في حين ضمَّن الأديب الأندلسي ابن بسّام الشنتريني في كتابه “الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة” باقة مختارة من “رسائل الفتوح” الواقعة في بلاده وجوارها المغربي.
وقد ازدهر هذا النوع من الأدب أيام الدولة الزنكية في عهد سلطانها نور الدين محمود زنكي، وخليفتها الأيوبية في عهد مؤسسها صلاح الدين الأيوبي, وقد اشتهر به الكاتبان القاضيان “البيساني” و”عماد الدين الأصفهاني”, وقد أكثر منه القاضي الفاضل في تهاني السلطان العظيم صلاح الدين الأيوبي بانتصاراته المتوالية؛ مثل قوله مهنئاً بالنصر في موقعة حطين:
“ليهن المولى أنّ الله قد أقام به الدين القيّم..، وأنّه قد أسبغ عليه النعمتيْن: الباطنة والظاهرة، وأورثه المُلْكَيْن: مُلْك الدنيا ومُلْك الآخرة”. وهذا كما جاء في كتاب “الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية” لأبي شامة المقدسي الذي احتفظ لنا بنسخة مكتملة من خطاب البشارة بطائفة من الانتصارات تحققت لصلاح الدين على الصليبيين، وقد بعث به إلى نظيره سلطان المغرب المنصور الموحدي مستنجداً إياه للمساعدة في فتح مدينة عكّا بـأسطول الموحدين البحري الضخم والضارب، وكانت حدود الدولة الموحدية حينها تمتد من الأندلس وشواطئ الأطلسي غرباً حتى تلامس شرقاً مصر الأيوبية من جهة ليبيا اليوم.
فكان مما جاء في خطاب الاستنجاد التهنئة “بفتح البيت المقدس وسكون الإسلام منه إلى المقيل والمعرس، وما فتح الله للإسلام من الثغور وما شرح لأهله من الصدور وما أنزله عليهم من النور