الحرية- رشا عيسى:
بين الواقع السوري الحالي واقتصاد الوفرة مسافة ليست بقريبة، وتقليص هذا الفارق يحتاج إجراءات مختلفة من بنية تحتية وأتمتة الصناعات لإمداد السوق بكميات وفيرة من السلع والخدمات، وإيجاد حالة تنافسية مبنية على الاقتصاد الحر على أمل الوصول إلى اقتصاد الوفرة المرجو.
تحقيق هذا الطموح يعتمد على تعاون الجميع، حيث يجب أن يأخذ القطاع الخاص دوره الطبيعي كداعم أساسي للاقتصاد، ما يترك أثراً إيجابياً في تحقيق التعافي الاقتصادي المنشود.
ورغم أن هذا النوع من الاقتصاد يوصف باقتصاد الأماني والاقتصاد الحالم، إلا أن الوصول إليه صعب في الوقت الحالي لأنه يجب أن يُسبق بأرضية اقتصادية صلبة وقوانين داعمة تعزز أهدافه.
الإنتاجية الوفيرة
ويشرح الباحث الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس لـ”الحرية” معنى اقتصاد الوفرة بأنه يعني الاعتماد على تحقيق إنتاجية كبيرة من السلع والخدمات، المبني على رقمنة الآلات والتجهيزات، أي أتمتة القطاع الصناعي، واستخدام الذكاء الصناعي والاعتماد على آلات صناعية على مستوى عالٍ من التقنية، بالتالي توفير السلع والخدمات بكميات وفيرة في الأسواق، وتحقيق حالة تنافسية مبنية على الاقتصاد الحر، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار بالنسبة للمشترين.
ولكن هذا الموضوع لا يمكن أن يتحقق حالياً بمعناه الحرفي، يعني حتى عالمياً يوصف اقتصاد الوفرة بالاقتصاد الحالم، ويصنف اقتصاد أماني. وبالنسبة إلى الواقع السوري يدور السؤال حول هل يمكن تطبيقه أو البدء فيه؟
الجاموس: التركيز على إعطاء مساحة واسعة للاستثمارات الخارجية ومحاولة جذب المزيد من المستثمرين من خلال بيئة مشجعة وبنية تحتية توفر كل أسبابها
تشجيع الموجود
وهنا يوضح الجاموس أنه من الممكن ونتيجة الأزمة الاقتصادية والحرب الطويلة التي مرت فيها سوريا، التركيز على إعطاء مساحة واسعة للاستثمارات السعودية والقطرية ومحاولة جذب المزيد من المستثمرين، ولكن لا نزال بحاجة لإزالة الفساد بشكل كامل، وحوكمة المؤسسات، والعمل على إعادة بناء البنية التحتية، واستقرار سعر الصرف، وتشجيع القطاع المالي وتحسينه، وإيجاد البيئة القانونية والاستثمارية التي تشغل المصانع.
وبظل الاتفاقات الاستثمارية الأخيرة في سوريا دخلت الشركات باستثمارات طويلة الأجل، ونحن بحاجة أن نؤسس اقتصادنا على أرض صلبة، لذلك من أهم الأولويات اليوم معالجة الأمراض التي يعاني منها الاقتصاد السوري والتخطيط الاستراتيجي الطويل، ثم الانتقال إلى مرحلة التعافي، ثم بعدها إلى الخطوط الحالمة.
تكامل بالقطاعات
ويؤكد الجاموس أن التغلب على ندرة المنتجات يتطلب تكاملاً بالقطاعات، وأن تكون بأفضل حالاتها بمعنى تريد أن تنتج زراعياً يجب أن يكون بأفضل ما يمكن لتوفير المواد الأولية، وكذلك الأمر بالنسبة للقطاع التحويلي أو الصناعات التحويلية وأيضاً القطاعات الخدمية والتعليمية والقضائية، أي تكون بحالة مثالية حتى نكون قادرين على البدء باستخدام ما يسمى اقتصاد الوفرة.
فلذلك نحن أمام شوط طويل من عملية التعافي من أمراض الاقتصاد الوطني ليتم الانتقال نحو تنمية هذا الاقتصاد، والبحث عن اقتصاد الوفرة أو طريقة المال لتشجيع التجار على زيادة إنتاجهم.
التجربة البرازيلية
ويذكر الجاموس التجربة البرازيلية، حيث زاد رجال الأعمال والصناعيون عدد معاملهم واستثماراتهم مقابل زيادة الخدمات والمنتجات المقدمة، وتوفير التنافسية نتيجة الوفرة بالسلع والخدمات ما يخفض الأسعار.
وتم الاجتماع مع رجال الأعمال والمستثمرين وكان الغاية جذبهم بعملية زيادة معاملهم، بمعنى الكلام إغراق السوق بالمنتجات للمساعدة في تحقيق التنمية الاقتصادية، وذلك مبني على رفع معدلات الضريبة التي هي أساس موارد الدولة، وكانت تجربة عملية جداً في البرازيل بوجود تسهيلات مالية وائتمانية وقروض، وأيضاً تسهيلات تطول التراخيص، وكل ذلك مقابل رفع معدلات الضريبة التي عادت بالنفع، وزادت فرص عمل عند الناس، كما زادت إيرادات الدولة، وحققت تجربة ناجحة في بناء اقتصادهم الوطني، واليوم أصبحت البرازيل من الدول العشرة الأقوى اقتصادياً في العالم.
إسقاط هذه التجربة على الواقع السوري بما تتضمنه من إغراء المستثمرين والتجار بزيادة استثماراتهم يعني المساهمة في بناء الاقتصاد الوطني، مقابل معدلات ضريبة عالية، وتأمين فرص عمل للشباب، وتحريك السوق من خلال تشجيعهم على إعادة بناء مصانعهم، والتوسع فيها وبتجاراتهم، مقابل ضريبة ممكن أن تعود للدولة بشكل واضح وعادل بما يحقق ضمن منظومة ضريبية ومنظومة قانونية واضحة للكل.