الحرية- سامي عيسى:
الغالبية العظمى من النظريات الاقتصادية، ونظم الاقتصاد والإنتاج، تؤكد حقيقة واحدة يُجمع عليها الجميع، وهي أن الصناعة العمود الفقري للاقتصاد الوطني، وقاطرة النمو لتحقيق تنمية شاملة على كافة المستويات، والحامل الأكبر للقوة التي تحقق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وصاحبة الفعل الكبير، والكفة الراجحة في ميزان التصدير..
وبالتالي أمام هذه الحقيقة التي يعلمها أهلها والقائمون على إدارتها، والمنظرون في ميدانها، والتي شخصت كل نظرياتهم، واقعها الفعلي من “بابه حتى محرابه” ووضعت الحلول لمعوقاتها المادية والفنية والبشرية، إلا أن ذلك لم يغير من واقعها شيئاً، وإن حصل فالتغيير مرتبط بالحالة “الزمانية والمكانية” لهذا التغيير الذي حققت من خلاله صناعتنا بعض النجاح، يسجل لها في قطاعات يشكل فيها هذا النجاح جزءاً من الكل الصناعي، تأثيره لا يتعدى محيطه المكاني مهما بلغت نتائجه..!
الأمر الذي دفع أصحاب الرأي في القطاع الصناعي والمسؤولين عنه، للبحث عن حلول تفرض الحالة الكلية في النجاح، فظهر الكثير من النظريات الاقتصادية والتجارب تحت عناوين مختلفة، تطبيقها مرهون بالمرحلة ذاتها، والتي سقطت جميعها في حسابات المصالح الشخصية لقياداتها ومسؤوليها، رغم كل ما “غلفها” من صلاحيات واسعة، ومراسيم وتعاميم حكومية، أطلقت من خلالها “إدارات المحسوبيات” لاتخاذ ما يلزم لتحسين الإنتاج الصناعي وتطويره، وتأهيل كوادره، وهذه الحلقة كانت موجودة في المراحل السابقة، إلا أنها فقدت الكثير من معانيها بسبب الخوف والهروب من المسؤولية، وتقاذفها فيما بين المفاصل الإدارية مع استمراره، لكن بصور مختلفة وخاصة خلال سنوات الأزمة التي اعتبرها هؤلاء شماعة حملت أخطاءهم، وجبنهم في تحمل المسؤولية، والأخطر غطاءً لسرقاتهم..!
ومن صور ذلك تعدد الحلول، من إدارة بالأهداف، وصلاحياتها الواسعة التي كللت بنجاحات محدودة، فرضوا عليها موتاً سريرياً، إلى أن تم الإعلان عن الوفاة الكاملة، ولم يقتصر التجريب عند ذلك فحسب، بل بدأنا بتجارب مجالس الإدارات والهيئات الاستشارية، لتقديم النصح والمشورة، ومساعدة الشركات لتحسين واقعها ونوعية إنتاجها، فما كانت إلا صور جديدة للتعقيد والروتين، وتصيد الأخطاء، وزيادة فرص الهدر، وساحة واسعة للمحسوبيات، وتنوع قوى الصراع التي تحكمها المصالح الشخصية، والمنافع المتبادلة فيما بين القوى المتنفذة، والتي تنسج خيوط كل ما يحصل..!
والغريب في الأمر أن السنوات الماضية، لم يتغير فيها شيء، فزاد الأمر سوءاً، وكثرت الدراسات والآراء والنظريات، والمقترحات للحلول دون إحداث أي تغيير في الواقع الذي يدور من عام إلى آخر..!
واليوم انطلاقاً من الحاجة الفعلية للصناعة الوطنية في “الأمس واليوم وغداً” الحكومة أصدرت الكثير من القرارات لإحداث نقلة نوعية في عالم التصنيع، وعودة الصناعة لممارسة دورها كقاطرة للنمو الاقتصادي، ورافعة كبيرة لكل مستويات التنمية المستدامة، والسؤال هنا: هل نستطيع تحقيق ذلك في ظل هذا الكم الهائل من التناقضات، وهل نحتاج نظريات جديدة، تزيد الواقع تعقيداً، أم بحاجة لمبادرات واقعية من شأنها قلب الواقع، إلى واقع أفضل يتماشى مع التوجه الحكومي لإحداث نقلة نوعية في تركيبة الاقتصاد الوطني، وتوجهه الجديد نحو اقتصاد السوق الحر..
قادمات الأيام تحكي لنا كل قصص التغيير..
Issa.samy68@gmail.com