الحرية – نهلة أبوتك:
في قلب مدينة اللاذقية وعلى مقربة من شاطئ البحر، تتربّع حديقة البطرني كواحدة من أقدم المساحات الخضراء في المدينة، محتفظة بعبق ماضٍ بحري وثقافي عريق، بين أشجار “الفيكوس” المعمّرة التي تظلل ممراتها، تختبئ قصص البحارة، وأصداء المعارك البحرية، وذكريات مهرجانات وفعاليات كانت تجذب أهالي المدينة وزوارها.
البطرني اسم يروي سيرة البحر والتحرير
يرتبط اسم الحديقة بشخصية تاريخية بارزة، هو أبو علي البطرني، أحد أمراء البحرية الإسلامية الذي تشير الروايات إلى أنه حرر اللاذقية من الغزاة، فكافأه الملك الظاهر بيبرس بتعيينه نائباً للوالي، وبحسب ما ورد على اللوحة الموضوعة على غرفة قبره داخل الحديقة، فقد اختار أن يُدفن فيها عام 1277م، بعد أن أحب المدينة وأراد أن يُوارى فيها الثرى.
الباحث في التاريخ والموروث الشعبي حيدر نعيسة أوضح لصحيفة الحرية أن “الحديقة ليست مجرد مساحة خضراء، بل تمثل ذاكرة بحرية حقيقية للاذقية، تربط بين التاريخ والمكان والهوية المحلية، عبر شخصية البطرني الذي شكّل رمزاً للمقاومة والارتباط بالبحر”.
جامع المينا صلة وصل بين الدين والتاريخ
في أحد أركان الحديقة، يقع جامع المينا الأثري، والذي لا يزال يشكل علامة فارقة في ذاكرة اللاذقيين، ليس فقط لقيمته الدينية، بل لكونه جزءاً من نسيج المرفأ القديم، الذي شكّل القلب الاقتصادي للمدينة على مر العصور.
ويتابع نعيسة قائلاً: “كانت الحديقة استراحة البحارة في الماضي، ينتظرون فيها السفن القادمة من الأفق، ثم تحولت إلى ساحة نابضة بالحياة عبر الفعاليات والمهرجانات، مثل معرض الزهور وأسواق الخير، وها هي اليوم تقف على أعتاب التحوّل مرة أخرى، إذا ما أُحسن استثمارها”.
استثمار ذكي يحفظ الهوية
يشدد الباحث حيدر نعيسة أن “أي مشروع استثماري في الحديقة يجب أن ينطلق من وعيٍ بقيمتها التراثية والرمزية، لا أن يطمسها أو يحوّلها إلى مجرد مشروع تجاري، مثل
تحويل الحديقة إلى مركز ثقافي تراثي يعرض تاريخ البحرية الإسلامية وتاريخ مرفأ اللاذقية، عبر معارض دائمة ومسارات تفاعلية، أو تنظيم جولات سياحية ثقافية تعرف الزوار بتاريخ اللاذقية البحري، يتخللها عروض فنية مستوحاة من تراث البحر، كذلك يمكن إحياء الفعاليات القديمة كمعرض الزهور وأسواق الخير، ضمن مهرجانات موسمية تُنظّم على مدار العام، إضافة إلى تشجيع المقاهي والمطاعم الثقافية التي تقدّم تجربة أصيلة مستوحاة من التراث المحلي، مع الحفاظ على الطابع البيئي”. والأهم وفق نعيسة إدراج الحديقة ضمن المسارات السياحية الرسمية بالتعاون مع وزارة السياحة، لتكون نقطة جذب أساسية على الخارطة السياحية للمدينة.
خاصة أن مساحة هذه الحديقة وموقعها المتميز وإرثها التراثي يجعلها شاهدًا حيًّا على العلاقة الأزلية بين اللاذقية والبحر، وبين الإنسان وتاريخه. وفسحة تحتاج فقط إلى القليل من العناية، لتتحوّل من حديقة منسية إلى أيقونة للسياحة الثقافية على الساحل السوري.