الحرية – علام العبد:
تنتشر اليوم في مجتمعنا السوري ظاهرة ليست بالجديدة، وإنما باتت جزءاً لا يتجزأ من يومياته، ويعاني منها المجتمع العربي برمته، إنها ” الإشاعة” التي تنتشر مثل النار في الهشيم، ويصل صداها إلى مدى لا تبلغه الحقيقة، وهذا يكشف مع الأسف ضحالة الوعي الجمعي، والمؤسف أكثر أنه ينجرف وراء هذه الشائعات من نقول عنهم صفوة المجتمع.
وإذا كانت الشائعات تتكاثر بشكل لافت فهذا مرده إلى توافر الأرض الخصبة بسبب مزيج من العوامل الاجتماعية والنفسية والتكنولوجية، أبرزها مساحة حرية التعبير التي تسمح بنشر الأخبار بسرعة، وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في تسريع انتشارها حيث سهلت هذه الوسائل ( واتساب، وانستجرام، وفيس بوك وغيرها ) في نشر المعلومات، سواء الصحيحة أو الشائعات من شخص لآلاف الأشخاص في وقت قصير جداً، والضغوط النفسية التي تزيد قابلية الناس لتصديق ونشر الشائعات، والرغبة في الظهور أو التواصل، بالإضافة إلى ثقافة مجتمع ينتقل فيه الكلام عبر المجالس والهواتف، ما يوفر بيئة مؤاتية لانتشارها.
في حرب الشائعات التي يخوض غمارها الكبير والصغير من أفراد المجتمع، شاء من شاء وأبى من أبى، حيث تتدفق الكلمات كالنهر الهادر، وتنتشر الأقاويل كنار في الهشيم، ويصبح من السهل أن يغرق المجتمع في بحر من الافتراءات والأحكام الجاهزة. “ليس كل ما يُقال عن الناس صحيحاً”، حكمة بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل في طياتها عِبرة عميقة تكاد تكون صرخة في وجه الظلم والتسرع، فكم من شخصيات شُوهت بسكين الكلام، وكم من أحلام دُفنت تحت وطأة كذبة تناقلت بغير وجه حق؟
الكثير من الناس، في طباعهم، يميلون إلى النقل، لكن قلة منهم ينقلون الحقيقة كما هي. والبعض يقوم بتلوين الكلام بلون رغباته، أو يشوهه بحمم من حقده الدفين، كلمة هنا، وهمسة هناك، وإذا بقصة كاملة تنسج من خيوط الوهم، تروى على أنها حقيقة لا تقبل الجدل. ونحن، في غفلة منا، قد نصدق، ندين، أو حتى نعاقب، دون أن نمنح أنفسنا لحظة للتفكير: هل هذا صحيح؟
باختصار؛ الحقيقة التي يريدها الجميع ليست سلعة تشترى من أول ناطق، بل كنز يستخرج بالبحث والتدقيق، فلا تسلم عقلك لكل قول يقال، ولا تطلق حكمك على كل فعل لم تكن حاضراً عليه، حتى تتأكد بنفسك.
ولتكن الآية الكريمة ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) بمثابة الدستور الشامل في كل مناحي الحياة، حيث تقدم فلسفة للحياة وتوجهات عملية في المعاملات البشرية لأن الكلمة، إن لم توزن بميزان الحق، قد تتحول إلى سلاح يجرح، أو نار تحرق، أو ظلم يبقى صداه يتردد إلى يوم يبعثون.