حفر الآبار العشوائية المخالفة يستنزف المخزون الجوفي.. وحملات مصادرة الحفارات مستمرة

مدة القراءة 13 دقيقة/دقائق

الحرية – وليد الزعبي:

ليس بخافٍ على أحد ما آل إليه الوقع المائي في السنوات الأخيرة، حيث جفت العديد من الينابيع والآبار وانخفضت غزارات أخرى، ولا تزال هذه المصادر مهددة بمزيد من التدهور أكثر، وذلك نتيجة حالة الجفاف التي تسود المنطقة وضعف الهاطل المطري، وحفر الآبار العشوائية المخالفة بالآلاف واستنزافها لكميات ليست بقليلة من المخزون الجوفي من دون أن يعوض شيء منه نتيجة تعاقب الجفاف، الأمر الذي تسبب بضائقة كبيرة على مستوى تأمين مياه الشرب، حيث باتت العديد من التجمعات السكانية تعاني الأمرين من جراء عدم توفر احتياجاتها منها ولو بالحدود الدنيا، وعلى ما يبدو فإن أولوية تأمين مياه الشرب التي تعد أهم مادة أساسية لحياة الإنسان، لا تعني ضعاف النفوس بشيء، ممن لا يتوانون عن استغلال الظروف السائدة لحفر مزيد من الآبار الزراعية المخالفة للتربح الفردي من ورائها على حساب حرمان عامة الناس من مياه الشرب.

عجز مائي

مدير الموارد المائية في درعا هاني شاكر عبد الله، أوضح في حديثة لصحيفتنا “الحرية”، أنه ومن خلال متابعة الوضع المائي في المحافظة بشكل عام، والمراقبات والقياسات لغزارات الينابيع بشكل خاص في السنوات الأخيرة، ومرور المنطقة في هذه الفترة بتغيرات مناخية وانخفاض معدلات الأمطار وتكرار سنوات الجفاف والاستنزاف الكبير الناجم عن ازدياد الطلب على المياه، يلاحظ أن جملة ما تقدم أدى إلى تناقص كبير بكميات المياه المتاحة وظهور عجز مائي سنوي كبير سواء في مصادر المياه السطحية (سدود) والجوفية (ينابيع – آبار).

زراعات غير رئيسية لا تفيد الأمن الغذائي تحوز على كميات كبيرة من المياه!

ليس بخير

وبطلب التوضيح أكثر عن واقع المصادر المائية في الفترة الحالية، بيّن مدير الموارد أنها ليست بخير.
ووفق ما ذُكر أعلاه، وبالنسبة للتراجع الواضح في غزارات الينابيع والمصادر الجوفية، فإن هذا الأمر ليس بالجديد، وإنما بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي، وترافق هذا التراجع مع انخفاض كميات الهاطل المطري والثلجي والجفاف المناخي على مدار السنوات الماضية، حيث جف عدد كبير من الينابيع في المحافظة منذ سنوات وحتى هذه الفترة مثل (الطاحونة – عين البصل – القزولي – بندل – العجمي – الأشعري – عشترا – الصفصافة – المحيرس – السريا – الميسري)، بينما قسم آخر من الينابيع أصبح موسمياً ولا سيما (المزيريب – زيزون – عيون العبد – الساخنة الكبرى – الساخنة الصغرى)، أي جاف صيفاً ورطب شتاءً، أما القسم المتبقي فلا تزال غزارته مستمرة لكن مع انخفاض جزئي فيها صيفاً ولا سيما (ينابيع الهرير – عين ذكر – الصافوقية – غزالة).

انخفاض الواردات السطحية

وأضاف: كذلك انخفضت الواردات المائية السطحية بشكل كبير (تخازين السدود السنوية)، وحالياً لا يوجد أي مخزون مائي في سدود المحافظة، سوى في سد غربي طفس وسد عدوان وبكميات قليلة، لكون الوراد لهذه السدود من ينابيع الهرير الأولى، والتي بدورها تغذي شبكات المزيريب الوسطى والعليا بالتناوب مع سدي غربي طفس وعدوان، وكشف أن هذا النقص الكبير في تخازين السدود أثر بشكل كبير على الاحتياجات المطلوبة، وأصبح الاعتماد بشكل كبير على المياه من الحوض الجوفي، والذي أيضاً  انخفض منسوبه بشكل ملموس في السنوات الأخيرة في مناطق عديدة من المحافظة.

حفر الآبار إلى الواجهة

ولجهة الآبار الزراعية أشار المهندس عبد الله، إلى أن الإقبال بدأ يتزايد على حفرها منذ ثمانينات القرن الماضي، حيث كانت القوانين والأنظمة تسمح بذلك، وبعدها بدأ حفر الآبار المخالفة في كل أرجاء المحافظة، ففي عام ٢٠٠١ تم إحصاؤها على مستوى المحافظة وكان عددها حينها بحدود ١٩٢ بئراً، ووصلت حتى عام ٢٠١٠ إلى ٦٠٥ آبار، بالتوازي مع زيادة أعداد الآبار التي تم ترخيصها بشكل أصولي، وبقيت ظاهرة حفر الآبار حتى يومنا هذا، والتي انتشرت بشكل واسع ومتزايد حتى ضمن المخططات التنظيمية تحت غطاء تأمين مياه الشرب، وكذلك في المناطق الزراعية وضمن شبكات الري الحكومية (نظرأ لتوقف المصادر المائية المغذية وخروج قسم منها عن الخدمة) من أجل تأمين المواسم الزراعية والحفاظ على الأشجار، وكذلك أثر استخدام الطاقة البديلة في تشغيل هذه الآبار سلباً، حيث إن استمرارية الضخ منها طوال فترة السطوع الشمسي النهارية ولوقت يصل إلى ١٠ ساعات في اليوم صيفاً، زاد الاستنزاف الكبير الحاصل للمياه الجوفية.

مدير الموارد: عجز مائي سنوي كبير في مصادر المياه السطحية (سدود) والجوفية (ينابيع – آبار)

تأثير كبير

وحول مدى تأثير ظاهرة حفر الآبار العشوائية المخالفة على المصادر المائية، قال مدير الموارد: طبعاً كل المؤشرات

السابقة والتي أشارت إلى انخفاض المخزون الجوفي وتراجع غزارات الينابيع وجفاف قسم منها، كان للحفر العشوائي للآبار نصيب في التأثير الحاصل على هذه الغزارات، من خلال الاستجرار الزائد للمياه لتغطية الزيادة في المساحات المزروعة والاستثمارات المحدثة في مناطق التغذية، وهو ما أثر بشكل واضح على مصادر مياه الشرب التي لها الأولوية من حيث الاستجرار والاستهلاك، وهذا الأمر استدعى حفر آبار عائدة للشرب لتغطية الطلب المتزايد على مياه الشرب واحتياجات الناس الضرورية.

إجراءات وقف التدهور

وبالاستفسار عن الإجراءات المتبعة لمنع استمرار تدهور المصادر المائية، أكد المهندس عبد الله على ضرورة الالتزام بالفعل بخطوات من شأنها التخفيض من الاستجرار الحاصل من المخزون الجوفي، ومن أهم هذه الخطوات، وقف الحفر العشوائي للآبار واتخاذ إجراءات  رادعة بحق المخالفين، وبهذا الشأن تقوم مديرية الموارد المائية في درعا بالتنسيق مع المفارز الأمنية بكل أرجاء المحافظة، وبتوجيه من المحافظ بخصوص التشديد على ضرورة وقف الحفر المخالف وإعطاء الأولوية لتأمين مياه الشرب لكافة المواطنين بالمحافظة، بمصادرة الحفارات المخالفة وتجميعها في المرآب الخاص بالمديرية، أما الخطوة الأخرى فتتمثل بضرورة إعادة النظر بالخطة الزراعية السنوية على الآبار والتشديد على تطبيقها، والتركيز فيها على الزراعات الشتوية لحين تعافي مناسيب المياه الجوفية، وأن يتم الاعتماد بشكل رئيسي في الزراعة على الموارد المائية السطحية، وتطبيق الخطة المعتمدة بين الموارد المائية ومديرية الزراعة التي تتناسب مع هذه الموارد، إضافةً ضرورة استخدام طرق الري الحديثة في الزراعات، وكذلك مراقبة الآبار القريبة من مصادر مياه الشرب والاستفادة منها من قبل المؤسسة العامة لمياه الشرب وفق نظام الاستثمار المعمول به لديها، والإسراع بتنفيذ محطات معالجة للمياه الراجعة من الصرف الصحي والاستفادة منها في الزراعة الممكنة.

معاناة شديدة

لايكاد يتوقف قدوم وفود المجتمع المحلي من معظم المدن والأرياف إلى المحافظة ومن ثم إلى مؤسسة مياه درعا، لعرض معاناة السكان من شح مياه الشرب، وعدم كفايتها لسد الاحتياجات ولو بالحدود الدنيا، واضطرار الأهالي لشراء المياه من الصهاريج الجوالة بمبالغ لا تحتمل وخاصة مع تكرار الأمر، حيث وصل سعر المتر المكعب الواحد إلى ما بين ٤٠ و٥٠ ألف ليرة، والجميع يطالبون بضرورة إيجاد الحلول المناسبة لتحسين واقع مصادر مياه الشرب.

التعديات تلعب دروها

بالتوازي لا ينفك الحديث عن التعديات الحاصلة على خطوط دفع مياه الشرب وشبكاتها، لصالح ري المزروعات وحرمان الناس من الحصول على احتياجاتهم لمياه الشرب التي تعد أولوية لا يتقدم عليها شيء آخر، وفي هذا الإطار أكد مدير عام مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي في درعا المهندس رياض المسالمة لصحيفتنا “الحرية”، أن مشكلة التعديات تؤثر سلباً وبشكل كبير على مدى تأمين احتياجات السكان لمياه الشرب، حيث تزيد الكمية التي تستنزفها بعض تلك التعديات على ٦٠٪، ولهذا تقوم المؤسسة بناء على توجيهات ومتابعة من محافظ درعا وبمؤازرة مفارز الأمن الداخلي، بحملات دائمة لإزالة تلك التعديات واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين، وذلك في سبيل تحسين الوارد إلى التجمعات السكانية، وهو ما بات ملموساً بالفعل.

مدير المياه: على الرغم من شح مياه الشرب التعديات تستنزف كميات كبيرة منها وحملات قمعها لا تتوقف

جفاف ينابيع

تتمثل مصادر مياه الشرب في درعا بالينابيع والآبار، وحول تشخيص واقع تلك المصادر ذكر المدير العام، أنه بالنسبة للينابيع هناك مشروع الثورة بمرحلته الأولى، ويضم ٦ محطات ضخ يعمل منها الآن ٣ فقط لعدم كفاية المصدر المائي، حيث إن غزارته تراجعت من ١٤٠٠م٣ بالساعة إلى ٨٠٠م٣، وهو يغذي كلاً من مدينتي درعا وطفس وبلدات عتمان واليادودة، فيما مشروع الثورة/ مرحلة ثانية متوقف لكونه متضرراً ومدمراً (كان يروي مدينة طفس وداعل وقرى الريف الشرقي)، ومشروع الثورة بمرحلته الثالثة تعمل فيه اثنتان من محطات الضخ وواحدة متوقفة، لتراجع غزارته من ٣٥٠م٣ بالساعة إلى ٢٠٠م٣، وهو يروي مدينة نوى والريف الغربي، ومشروع الثورة/ المرحلة الرابعة متوقف لجفاف المصدر (كان يروي الشيخ مسكين وإنخل وجاسم ونمر والحارة وبعض قرى الريف الشمالي الغربي)، كذلك مشاريع المزيريب وعين الساخنة وزيزون متوقفة لجفاف المصدر، علماً أنها كانت تروي مدينة درعا والمزيريب واليادودة وخراب الشحم وتل شهاب وجوارها بالريف الجنوبي وزيزون، أما مشروع نبع عين غزال فهو يعمل وبحاجة إلى تأهيل، وقد تراجعت غزارته من ١٤٥م٣ إلى ٩٠م٣، علماً أنه يروي كلاً من الشجرة ونافعة وجملة وما حولها، كذلك مشروع الصافوقية يعمل وبحاجة تأهيل، مع الإشارة إلى أن غزارته تراجعت من ١٠٠ إلى ٥٠م٣ بالساعة، ويروي سحم الجولان وحيط، وأيضاً مشروع عين ذكر يعمل وبحاجة لتأهيل، حيث يروي بلدات تسيل وعابدين ومعرية وكويا وبيت آره وما حولها، وفيما يتعلق بغزارته فقد تراجعت من ٨٠ إلى ٢٠م٣، ومشروع البراق تراجعت غزارته من ٢٠ إلى ١٠م٣ ويروي قرى اللجاة.

بينما تراجعت غزارة مشروع حماطة من ١٥ إلى ١٠م٣، وكذلك تراجعت غزارة مشروع الشبرق للنصف من ٣٠ إلى ١٥م٣ وهو يروي قريتي الشبرق ونافعة.

الآبار على المنوال نفسه

أما فيما يتعلق بآبار مياه الشرب، فقد ذكر المهندس المسالمة أن واقعها لم يعد أيضاً بالمستوى المقبول، حيث جف بعضها وتراجعت غزارة البعض الآخر، علماً أن إجمالي عددها يبلغ ٦١٨ بئراً منها ١٠٥ آبار خارج الخدمة، وبتفصيل أكثر فإن مشروع إرواء درعا من آبار غزالة يعمل بغزارة ٣٢٠م٣ في الساعة، ومشروع إرواء مدينة إزرع يعمل حالياً وهو بنفس غزارته البالغة ١٠٥م٣، فيما مشروع إرواء الصنمين/ القنية الذي يغذي مدينة الصنمين، يعمل لكنه بحاجة لتأهيل وغزارته تراجعت من ٨٠ إلى ٦٠ م٣، وهناك مشروع الثورة بمرحلته الخامسة الذي يعمل ويغذي الريف الشمالي، أما غزارته فانخفضت للنصف من ١٠٠ إلى ٥٠ م٣، ومشروع إرواء جباب الذي يغذي كلاً من جباب وموثبين وغباغب، يعمل وبحاجة تأهيل، فيما غزارته تراجعت من ٩٠ إلى ٧٠م٣، ومشروع بصير لصالح مدينة الصنمين انخفضت غزارته من ٦٠ إلى ٣٠م٣ وهو مستثمر ويحتاج إلى تأهيل، كذلك محطة الحارة الجنوبية انخفضت غزارة المشروع من ١٠٠ إلى ٩٠م٣ وهو يعمل وبحاجة لتأهيل، وبالتوازي فإن محطة الحارة (البرنس) تعمل لكن غزارة المشروع انخفضت من ١٠٠ إلى ٥٠م٣ومشروع المسطاح المغذي لمدينة الحارة أيضا يعمل وغزارته تراجعت من ٦٠ إلى ٣٠ م٣، وبالنسبة لمحطة ضخ غصم تعمل لكن غزارتها انخفضت من ٥٠ إلى ٢٥م٣ ومشروع كحيل الجيزة يعمل بنفس الغزارة ٥٠م٣، ومشروع إرواء أم ولد المستثمر يحتاج إلى تأهيل فيما تراجعت الغزارة من ٥٠ إلى ٤٠م٣، بينما مشروع المطوق الذي يغذي مدينة جاسم مستثمر وقد تراجعت غزارته من ٧٥ إلى ٥٠م٣، ومشروع إرواء نوى (الشرقية) يعمل بينما غزارته انخفضت إلى الثلث من ٧٥ إلى ٢٥ م٣، والمشروع الذي يغذي اليادودة وخراب الشحم وجزء من مدينة درعا يعمل فيما غزارته انخفضت من ٥٠ إلى ٢٥م٣ ومثله مشروع دير البخت، فيما مشروع صماد يعمل إلا أن غزارته انخفضت من ٤٥ إلى ٣٥م٣ وبئر الشرع المغذي لمدينة درعا يعمل وغزارته تراجعت من ٥٠ إلى ٣٥م٣ وبئر الكور المغذي للمدينة نفسها يعمل والغزارة انخفضت أيضاً من ٢٥ إلى ٢٠م٣، وهناك مشاريع اخرى على الآبار، ولا سيما كحيل _بصرى فهو متوقف ويحتاج إلى تأهيل، فيما مشروع بصرى متوقف لكونه مدمراً، أما مشاريع دير العدس والناصرية والسبيل بمدينة درعا وتل حمد فمتوقفة لجفاف المصدر.

Leave a Comment
آخر الأخبار