يعمل بطاقة الرياح لضخ المياه وسقاية المزروعات.. دولاب الهواء إرث تاريخي في القلمون

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – علام العبد:

يشير “دولاب الهواء” المنتشر اليوم في منطقة القلمون إلى طواحين هواء تاريخية تُستخدم لضخ المياه، والتي كانت حيوية للزراعة وتوفير مياه الشرب قبل انتشار المحركات. وقد تركت هذه الطواحين إرثاً حضارياً في المنطقة، خاصة في مدن مثل دير عطية والنبك. أما دولاب الهواء بالمعنى العصري (عجلة فيريس) فهو جهاز ترفيهي حديث، ويختلف عن دولاب الهواء التقليدي الذي استُخدم لأغراض زراعية في القلمون

ويعد دولاب الهواء في القلمون، من أقدم الوسائط التي استخدمها الإنسان في رفع المياه من السواقي أو الأنهار، ومن ثم توزيعها على قنوات، للاستفادة منها في أكثر من مجال، لذلك أطلق عليها تعبير (دولاب الماء).. وهي ذات حركة دائمة، ومزودة بوعاء كبير ربما برميل أو سطل أو دلاء أو مغارف مجوفة، مهمته الأساسيّة غرف المياه من البئر، ورفعها إلى الأعلى لتصبها في قناة تفضي بدورها، إلى أخرى فرعيّة توصلها إلى البيوت والبساتين، بغرض تأمين مياه الشرب أو ري المزروعات.

في القلمون وتحديداً في مدينة النبك يقول وليد خالد النفوري لـ” الحرية”، في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي قام المرحوم والدي خالد عبد المحسن النفوري الملقب أبو وهيب من أهالي مدينة النبك بفكرة لتصنيع دولاب هواء يعمل بطاقة الرياح لضخ المياه من الآبار لقلة المواد الأولية آنذاك فقد واجه صعوبات في تصنيع تلك المروحة فعمل البرج من اللبن والطين والمروحة من الخشب والقماش وكان ذلك في بيته الكائن في مدينة النبك وقد عانى الكثير من جراء التجارب التي قام بها وخاصة في تصنيع المضخة وبشكل بدائي إلى أن توصل إلى النتائج المرجوة ومع الوقت تطورت تلك الصناعة إلى أن تم تركيب دولاب هواء في مشفى القلمون (الدنمارك سابقاً) وقد جاء الدنماركيون بمروحة من بلدهم وتم تركيبها في المشفى وبعد توفر المواد الاولية بدأ بتصنيع المراوح التجارية لتكون هي الأولى في ضخ الماء في ذلك العصر على مستوى سورية والشرق الأوسط.

وأضاف، لقد تم العمل على تطوير تلك الصناعة حيث أصبحت بعدة مقاسات تتناسب وظروف سرعة الرياح وعمق الآبار كما تم إجراء بعض التعديلات بقصد سحب المياه من الأعماق حتى عمق مئة وخمسين متراً وقد انتشرت هذه الصناعة في جميع محافظات السورية وتم تصدير عدد لا بأس به إلى الدول الأخرى مثل الأردن والعراق والسعودية ولبنان وإيران وعلى هامش هذه الصناعة تم تصنيع عنفات ريحية لتوليد الكهرباء بعدة مقاسات وتم تركيب واحدة باستطاعة ستين ك واط في محافظة اللاذقية وبعدها توقف العمل بتلك الصناعة بسبب الأحداث التي شهدت سورية.

إنتاج الطاقة الكهربائية

لقد تم تطوير صناعة دولاب الهواء لإنتاج الطاقة الكهربائية واستخراج الماء من أعماق كبيرة وبتكلفة أقل ودون مضخة كما هو معروف، هذا ما قاله محمد سمير حافظ من أهالي النبك لــ “الحرية”، وأشار إلى أنه تم تركيب دواليب الهواء في دير عطية وغيرها منذ ما يقارب الــ 70 عاماً وبعدها بثلاثين سنة تم تقليدها وتصنيعها في دير عطية بواسطة سعيد ملحم، ولفت الحافظ إلى أنه تم ترخيص منشأة خالد النفوري عام ١٩٧٠ لصناعة دواليب الهواء من قبل وزارة الصناعة وهو الترخيص الوحيد الذي يحمل هذا الاسم وتم إعطاؤه رقم (1) واحد ولا يوجد ترخيص ثاني في الوزارة يحمل تلك الصناعة.

فيما يؤكد محمد مسعد أحد أبناء القلمون، أن التصميم الموجود ل ( دولاب الهواء ) ؛ والمنتشر في القلمون؛ كان قبل مشفى الدنمارك بكثير؛ فدواليب الهواء جاءت مع الحملة التبشيرية الروسية في أواخر القرن التاسع عشر؛ وانتشرت في بلدات منطقة القلمون وفي لبنان أيضاً وبعدها جاءت الدولاليب مع المغتربين من الأرجنتين أيضاً قبل بناء مشفى الدنماركي.

صيانة

وأشار مسعد إلى أنه كان هناك كثر ممن قاموا بصيانتها ومن ثم تصنيعها ما نعرفه أنه كان في دير عطية (عثمان الكردي) ومن بعده ابنه محمود ممن كانوا يعملون عليها ؛ و يذكر أن محمود تعلم على يد أرمني كان يسكن في يبرود نهاية القرن التاسع عشر ؛ تعلم منه صيانتها و صناعتها.

التغني بجمال دولاب الهوى

لم يكن الأدب والشعر، بمنأى عن التغني بجمال دولاب الهواء، ولكن الغالب في ذلك، أن الشعراء الذين وصفوا الدولاب قورن بالحنين إلى المكان أووصف ملامحه ومعالمه، وأشهـر الأمكنة في هذا الصدد، وصف الشاعر المرحوم عبد الباقي عبد الباقي ابن دير عطية دور دولاب الهواء في ديرعطية بعد أن خلده عندما كتب فيه عدد من القصائد، وعن هذا الدولاب وما يمثل في مسيرة النهضة والحضارة والتقدم في دير عطية فقال في قصيدة (بلد النشامى).

ودولاب الهواء بها شعار

يمثل نهضة علت الغماما

وبلسان دير عطية خاطب دولاب الهواء طالباً منه أن يتفاخر بهذه الحضارة التي هو شعارها قال له:

تطاول أيهّا الدولاب واشمخ

برأسك في العلا فوق الغيوم

صراع من اجل البقاء

أثّر التقدم العلمي، واختراع مضخات المياه التي تعمل على الطاقة الكهربائيّة، أو مشتقات النفط، على دولاب الهواء، فغاب العديد منه ، ويناضل ما تبقى من أجل البقاء، علماً أن دولاب الهواء هو الأخر، خادم ببلاش، جميل الشكل، حزين الصوت، يشيخ قليلاً، لكنه لا يتعب ولا يمل من خدمة الإنسان، ليلاً ونهاراً، وفي كل الفصول، كل ما يحتاجه، بعض الصيانة من حين إلى آخر.

ومنظره وسط المنازل والبساتين الزراعية ، ومشاهد المياه التي يخرجها بالدلو ، والإضاءة المتقنة لها ليلاً، يحوّله إلى مظهر جمالي أخاذ، الأمر الذي جعله معلما سياحيا يجذب العديد من الناس إليه، وخير مثال على ذلك، دواليب الهواء المنتشرة في ديرعطية والنبك التي تنتشر حولها المطاعم والمنتزهات، وتُشكّل اليوم، الدافع الأساس للسوريين في باقي المحافظات والزائرين العرب والأجانب، لزيارة هـــذه المنطقة، التي بات دولاب الهواء هويتها البصرية والمعلم الخدمي والجمالي الذي أوجده الإنسان، منذ مئات السنين.

Leave a Comment
آخر الأخبار