الحرية- علام العبد:
فرحة فيها الكثير من الحزن والحسرة عاشتها اليوم عائلة الشهيدين الشقيقين لينا أحمد السيد 16 عاماً ومجد أحمد السيد 14 عاماً وهي تقوم بنقل رفاتيهما من قرية الجراجير في القلمون الغربي بمحافظة ريف دمشق إلى قرية النزارية في ريف حمص بمنطقة القصير، وذلك بسبب ظروف التربة السيئة ووقوع القبور في مجرى السيل، وبإشراف الطب الشرعي والدفاع المدني والشرطة، بعدما حصلت العائلة على موافقات كافة الجهات المختصة في محافظة ريف دمشق على نقل رفاتيهما، ليعودا إلى ثرى مسقط رأسيهما بقرية النزارية في ريف القصير .
لكن فرحة هذه العائلة لم تكتمل لأن ولديها لم يشهدا الفرحة الكبرى التي عاشها السوريون بتحرير البلاد من النظام الذي كان وراء قتل واستشهاد الكثير من اليافعين الشباب أمثالهم…
صحيفة “الحرية” رافقت الفرق المشاركة في نقل رفات جثامين لينا ومجد فسجلت بالكلمة والصورة هذه اللحظات المؤثرة.
الأم المكلومة السيدة إيمان بدر الدين اليوسف والدة الشهيدين عجزت في حديثها لصحيفة “الحرية” عن وصف الحالة النفسية الصعبة والمشاعر الأليمة التي تعيشها العائلة، مكتفية بالدموع التي تتقطر من عينيها حزناً على الواقع الأليم الذي أحدثه النظام البائد في العائلة عندما استهدف أبناءها سنة 2013 حينما كانوا في طريقهم إلى قرية الجراجير هرباً من الأحداث التي شهدتها مدينة دير عطية في ذلك العام، حيث تم استهدافهم بدون وجه حق من موقع التمثال غرب المدينة.
وتابعت تقول: لقد كانت ابنتي لينا وديعة كالحمامة، الضحكة لا تفارق وجهها، محبوبة من قبل الجميع، خفيفة الدم تنقلت من مدرسة إلى مدرسة من القصير إلى حمص إلى ربلة إلى لبنان في عام 2013 حط بها الرحال في دير عطية لدراسة الشهادة الثانوية، عندما هربت مع عائلتها من القصف حملت حقيبة كتبها وفي الطريق استشهدت وظلت الحقيبة معلقة على ظهرها، أما مجد ابن الـ 14 عاماً كان شاباً يافعاً مفعماً بالنشاط والحيوية والشجاعة في الحياة، يملك روحاً طيبة تجده دائماً حاضراُ لاحتواء الآخرين، ويشعرون بالراحة بالقرب منه لأنه لا يحمل في قلبه إلا النية الطيبة.
في مساحة ترابية واسعة في مقبرة قرية الجراجير في القلمون الغربي، حيث تنتشر فيها بقع من العشب الأخضر، تراقب إيمان اليوسف بحزن عميق متطوعي رجال الدفاع المدني والشرطة وهم يعملون بمساعدة متطوعين على فتح قبر، يضم رفات ولديها لينا ومجد، وتقول إيمان، والدموع تنهمر من عينيها، في حديث لـ”الحرية”: كانا بعمر الورود.. وتُشير إلى أن ابنتها كانت تحمل كتبها حين قتلت: “لم نجد مكاناً آمناً لدفنهما، إلا في قرية الجراجير.
بعد الكشف على الجثامين العائدة للينا أحمد السيد وشقيقها مجد من قبل الطبيب الشرعي في القلمون الدكتور محمد زرزور الذي أشرف على نقل الجثامين، حيث بين في تقريره أن الوفاة وقعت عام 2013 وأن الجثة العائدة للشاب مجد أحمد السيد 14 سنة متحللة تماماً حتى أن الكفن متحلل وعظام الجمجمة متكسرة وأن الإصابة كانت بالجمجمة عند الوفاة وقد تم نقل العظام كاملة إلى كيس الرفات ..
وفيما يخص الشابة لينا 16 عاماً فقد وجدت ملفوفة ببطانية سميكة وقد شوهدت الجمجمة كاملة وحتى أن غطاء الرأس عليها، أما النسج متحلل بالكامل ولا يوجد سوى العظام وقد تم نقلها كاملة مع البطانية إلى كيس الرفات.
وحول حكم نقل الميت يقول فضيلة الشيخ صلاح الدين السعدي شرعياً، نقل الميت بعد دفنه جائز في بعض الحالات الضرورية مثل الخوف على القبر من الغرق، أو لدفنه في مكان يرجى فيه بركة أكبر، أو ليدفن بين أهله.
وفي مراسم احتفالية، استقبل أهالي قرية النزارية في ريف القصير بالورود والزغاريد رفات الشقيقين الشهيدين لينا ومجد ولم يكتف أهالي القرية بمراسم الجنازة الشعبية المهيبة التي أعدوها، بل قاموا بتزيين قبريهما بالورود.
في سوريا وخلال سنوات الحرب اضطرت آلاف العائلات إلى دفن أقاربها في مدن مختلفة بعيداً عن منازلهم بسبب الظروف القاسية للحرب والقصف المكثف.
بعد تحرير البلاد من النظام البائد، تمكنت الكثير من العائلات من نقل رفات أحبائها لدفنهم في بلداتهم الأصلية.
يذكر حين دفن السوريون أقاربهم في المقابر خلال سنوات الحرب وسط هذه المدينة أو تلك، كانوا يضعون مكان كل جثة قطعة خشبية أو شاهد قبر مؤقتاً أو أحجاراً نقشت عليها أسماؤهم.
وبينما تتابع العديد من الأمهات بحزن وعيون دامعة نقل رفات أبنائها من مقبرة إلى مقبرة أخرى، لا تزال آلاف غيرهن يجهلن مصير أبنائهن.