الحرية- عمران محفوض:
نعلم أن للغرب مصالحه وسياساته.. والأهم حساباته التي تتقدم كل قرار سيتخذه سواء على مستوى التكتل الجيوسياسي الذي يضم دوله وولاياته أو على مستوى التعامل الخارجي مع الأخذ بالحسبان أن لمنطقة الشرق الأوسط خصوصية في إطار هذه المعاملة.
اليوم.. يتوقع الشعب العربي السوري أن يتخذ الاتحاد الأوروبي بصفته الجمعية قراراً “يعلق” – نقول يعلق ولا يرفع – بموجبه عقوباته التي فرضها على قطاعات النقل والطاقة والمصارف، بعد سنوات طويلة من المعاناة المستمرة التي أثقلت كاهل السوريين، وفاقمت أوضاعهم الإنسانية سوءاً وأدت إلى:
* تفشي الفقر والجوع بين أفراد المجتمع حيث أدى تدهور الوضع الاقتصادي إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وجعل الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والدواء والتعليم بعيدة عن متناول الكثير من السوريين.
* إعاقة التعافي الاقتصادي ومنع تدفق الاستثمارات إلى سوريا لإعادة تشغيل عجلة الإنتاج، وزيادة فرص العمل والنمو الاقتصادي و بناء بنيتها التحتية المدمرة.
* استمرار عزلة الشعب السوري في وقت يسعى فيه السوريون إلى الانفتاح على العالم والاندماج مجددًا في الاقتصاد العالمي.
* معاناة القطاع الصحي من نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية بسبب القيود المفروضة على الاستيراد، ما زاد من معاناة المرضى، خاصة مرضى الأمراض المزمنة.
وبكلام أكثر عمقاً وتفصيلاً بشأن الواقع الإنساني للشعب السوري يمكن القول: إن الحصار الاقتصادي الظالم المفروض على سوريا تسبب في توقف عشرات معامل الأدوية عن الإنتاج نتيجة امتناع شركات أجنبية عن توريد المواد الأولية إليها ما فاقم معاناة آلاف المرضى وتسبب بوفاة الكثيرين منهم بعد نفاد أدوية الأمراض المزمنة من الصيدليات.
زد على ذلك أن معظم مستشفيات وزارة الصحة أصبحت شبه عاجزة عن إجراء العمليات الجراحية بالكفاءة والسرعة المطلوبة للمرضى.. بل أصبح انتظار الدور هو شريان الحياة لبعض مرضى القلب والأوعية الدموية والفشل الكلوي والسرطان والتلاسيميا.. وبات توافر الأدوية ومواد التخدير وغرف العناية المشددة وجهاز الرنين المغناطيسي والأهم إمكانية إجراء التحاليل المخبرية الكاملة للمراجعين ميزات تفضيلة لمشفى عن آخر.
وفي السياق ذاته نشير إلى أن معظم محطات توليد الكهرباء خرجت عن الخدمة لعدم توفر الوقود اللازم لتشغيل بعضها، وفقدان قطع التبديل لإصلاح الباقي، لدرجة أن السوريين أصبحوا “ينعمون” بالتيار ساعتين فقط كل ٢٤ ساعة.
ولا داعي للحديث عن الفقر في سوريا؛ الذي تفاقم إلى منزلة “المدقع” بسبب هذه العقوبات الجائرة؛ فآخر تقرير للأمم المتحدة ذكر أن ٩٠ % من السوريين فقراء، وأن غالبية الأطفال لا يحصلون على الغذاء والدواء والتعليم.. وأن الاقتصاد الوطني يحتاج إلى ٥٥ سنة ليعود إلى وضعه عام ٢٠١٠.
بناءً على هذه الحقائق المتعلقة بالشأن الإنساني – ناهيك بالأضرار التي لحقت بقطاعات التجارة والزراعة والصناعة والسياحة والاستثمار والإسكان والتعليم.. وغيرها – لا يمكن اعتبار قرار “تعليق” جزء من العقوبات التي يفرضها الغرب على الشعب السوري هو الاستحقاق المناسب والمكافىء لتطلعاته في حياة كريمة بعد ١٤ سنة من الظلم والقتل والتهجير والتجويع الجماعي، وأن الإجراء الذي يستحقه هذا الشعب الصامد هو إنهاء الحصار الاقتصادي بالكامل عبر رفع جميع العقوبات دفعة واحدة بغض النظر عن الدول أو الكيانات التي تفرضها، واليوم قبل غداً، وما “الشروط” التي يضعها الغرب على سوريا لفعل ذلك سوى جرعة أخرى من هذه العقوبات، ولكن بنكهة مختلفة، ستؤدي إلى إطالة أمد الأزمة الإنسانية التي يعيشها شعبها، وتأجيل البدء بمرحلة التعافي الاقتصادي والاجتماعي، وعرقلة واضحة لإعادة بناء المؤسسات التعليمية والصحية والمباشرة بإعمار القرى والأحياء السكنية المدمرة.
باختصار .. سوريا اليوم بحاجة إلى جهود جميع أبنائها، في الداخل والخارج، لإعادة الإعمار، وترسيخ الاستقرار السياسي والاجتماعي وتحقيق التنمية الشاملة، وتالياً تحسين النمو الاقتصادي، ولا يمكن تنفيذ ذلك في ظل عقوباتٍ تزيد من معاناة السوريين، وتعرقل أي تقدم نحو المستقبل.