«زخرف» حكايات الجدات لروايات مازالت تُتلى دائماً

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- علي الرّاعي:
تحمل الفكرة في رواية (زخرف) للكاتبة مريم شعبان -الصّادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب- بين طياتها حكاية موغلة في القدم لطفلة قذفها الزمن إلى المجهول فصارت امرأة من دون سابق علم.. الأمر أشبه بحكاية وقد أقامت  مملكة بحجم الفراغ والضياع والأمل ووهن الأيام. فقد عكست الرواية ثقافة الكاتبة في سرد الحكايات وربطها بين الظلم المجتمعي والنهايات المفجعة لحكايات الشرف التي تقوم على الحميّة من دون بذل أقل جهد ممكن للتحقق من حقيقتها ومدى صدقها أو كذبها..

المتن والمبنى الحكائي
تحكي الرواية عن طفلة انتهكت طفولتها من قبل  رجلٍ كان ربيب بيتها وصاحباً لزوجة أبيها الذي كان يحمل له غلاً كبيراً، اغتصبت الفتاة على مرأى زوجة أبيها وبتدبيرها من دون حتى معرفة بحقيقة ما يحصل معها.. لتلتزم فراشها وتصاب بنزيف دموي حاد كاد يودي بحياتها، ومن ثمّ لتحضر لها زوجة أبيها داية وتقرّ بحملها وتعرّض سمعة الأب الطيب صاحب المكانة الاجتماعية للتندر والعيب، حيث تُرمى الفتاة في حظيرة الحيوانات ريثما يُساق الوالد ومن لفّ لفه لذبحها في عتمة الدياجي.
حوّلت الكاتبة هذا الحدث بمادته الروائية الخام إلى حدثٍ شائق، وعملٍ روائيٍّ مثير وممتع من خلال استخدام تقنيات روائية تغني العقل وتثير الدهشة.
وذلك عندما قامت العمة بتهريب الطفلة وتحميلها زوّادةٍ لقادم الأيام، ومحاولة تجريدها من ذاكرتها، وتحذيرها من العودة أو الاقتراب من ضفتي النهر مع وصيّةٍ تقول النسيان.. النسيان (يا زخرف).

عن العنونة
و(زخرف).. هو اسم للقرية التي حملت اسم زخرف..
مكانٌ خُلق من العدم ابتدأ بوتدِ خيمةٍ، وانتهى ببيتٍ بناهُ الهاربون من وجه (الآغا)، وصنعَ بابه ذلك (الفراري) الذي رقَّ لحال زخرف بعد أن تمت مقايضتها..  فهي ستحمي لهم فحمهم، وهم سيبنون لها بيتاً وباباً ضخماً يحميها سوءة الظلام ووحشة الليالي، وكذلك سيقدمون لها بعض القروش التي ستعينها على شقاء الأيام.. تنامت القرية بعد ولادة لابنها (ساجر)، فزخرف التي احتالت على الحياة للحصول على الماء وبعض الطعام، انتقل إليها الراعي (سحبان) بعد أن أحضر لها خيمة ونعجة.. وعاد الفراري وعائلته مع معركته مع الآغا.. وبنوا العديد  من البيوت وصارت  (السهب) قرية أطلق عليها اسم (زخرف)..
برزت الصيغ السردية في الرواية من خلال صورة الراوي الأحادي (صيغة سرد الغائب) فقدّمت الشخصيات بأوصافها وأفعالها وأقوالها بمنظورٍ اجتماعي يصف الأمكنة والطبيعة.. من مثل:
(غاصت أقدام الفتاة في الطين الموحل حول الخيمة، لكنها واصلت التقدم تستكشف آثار العاصفة حول دارها، لم تترك لها الريح عوداً من الحطب في المكان، بل بعثرته في كل مكان).

عن الشخصيات
تنوعت شخصيات الرواية بين رئيسة، وهي شخصية (زخرف)، متنامية، متطورة وهي الحاملة لموضوع الرواية.. و(سحبان) الراعي الذي أحب زخرف، وترك لها كلبته التي اختارت (السهب) بعيداً عن القبيلة لتلد، فكانت زخرف سندها في وقت ضعفها، فردت لها الكلبة الجميل وفاءً حتى نهاية حياتها، فبقيت لها الأم والأخت والصديقة والحامية في الوقت الذي غدر بها أبناء جلدتها ورموها للعتم والبرد والخوف.
عشق (سحبان زخرف)، وكما ذكرنا قدم لها نعجة وأشياء تحتاجها فيما بعد، ثم اختار العيش معها، وهي من اختارت له ابنة الفراري زوجة.. وهناك (الفراري) الهارب من حكم الآغا.. شخصية متبدلة، ومتحولة، متناقضة، وأنانية.. كانت إيجابية في البداية، ثمّ تحولت إلى سلبية أبكت زخرف وسرقت تعبها.. وأولاد الفراري شخصيتان سلبيتان؛ وطفلتان تحملان بعناقهما رمز الحميمية التي تربطهما وصارتا لاحقاً إحداهما زوجة  لسحبان الراعي والأخرى زوجة لساجر بن زخرف.
وكذلك شخصية مصابة عالجتها زخرف والراعي كان قد شارك ربما في سرقة الفحم المخبأ عند زخرف.
لكنه توفي متأثراً بجراحه، وكما ماتت الكلبة أم مرزوق بنفس اليد. قدّمت الكاتبة الشخصية بطريقة مباشرة فاعتمدت صيغة ضمير الغائب التي تتيح التغلغل في أعماق الشخصيات وصفاتها وملامحها.
(كان الصغيرُ قد فتّح عينيه، وراح ينظر في وجهها، وهي بدورها راحت تبادله نظرات الحب والطمأنينة وتناغيه وتلاعبه وهي تلقمه صدرها الصغير.).

الزمان والمكان
قام الزمان في الرواية على نوعين: زمن المتن الحكائي، وهو زمن الرواية.. وهو قديمٌ يعود إلى سنواتٍ خلت من خلال زمان الآغوية.. أما الزمن الثاني: فهو زمن الخطاب وما يحمله من رمزية خاصة.. وقد ظهر النسق الروائي من تقنيات الاسترجاع الفني.. إذا بدأت الرواية على لسان أحد أحفاد زخرف لصديقه القادم معه من المدينة.. وهناك حذف وقفز من خلال السنوات الطوال لغياب الفراري، وتزويج ابنتيه.. وذلك في استخدام مميز لهذه التقنية كوسيلة لتسريع الزمن.

عن الحوار
تنوّع الحوار، فكان داخلياً تارةً من خلال حوار زخرف مع نفسها طوال فترة وحدتها، ورحلتها القسرية، وكذلك لحظة قتل الفراري لأحد الباعة الجوالين، وخوفها منه، وهربها إلى دارها وحديثها على هيئة مونولوج خاص جداً مع نفسها حول خطط المستقبل لما يخص هذا الرجل المهزوز.. أما الحوار الخارجي؛ فهوحديث زخرف مع سحبان، ومع ابنها ومع الفراري حول قصتها ومصير عائلتها.

اللغة والأسلوب
كان للروائية أسلوبها الخاص من خلال استخدامها للغة باذخة في صياغة نصها السردي ينمّ عن ثقافة قوية امتلكتها ووظفتها بإتقانٍ وبراعة في إيصال أفكارها وحكايتها. وبالنسبة للغة فقد استخدمت حقلاً معجمياً لمفردات تتلاءم مع البيئة والمكان والنبرة ووجهات النظر لشخصات الرواية، فأحدثت تناغماً بين الدلالات اللغوية والمدلولات، ونسجت بذلك انسجاماً واضحاً بين الشخصيات..
الكتاب: زخرف
الكاتبة: مريم شعبان
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب.

Leave a Comment
آخر الأخبار