زيارة الشرع إلى واشنطن.. اختبار السيادة في زمن التحولات الكبرى

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرّية –أمين سليم الدريوسي:

زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن ليست مجرد خطوة دبلوماسية تقليدية، بل منعطف سياسي يعكس تحوّلًا عميقًا في موقع سوريا على خارطة العلاقات الدولية.. ففي زمن تتقاطع فيه التحالفات وتُعاد فيه صياغة التوازنات، تأتي هذه الزيارة كإشارة واضحة إلى أن دمشق لم تعد تُدار من الهامش، بل باتت تُعيد رسم خطوط علاقتها مع القوى الكبرى من موقع السيادة لا التبعية.
ويلتقي الرئيس الشرع نظيره الأميركي في البيت الأبيض غداً، بعد عقود من القطيعة والتوتر، هذا يعني أن سؤال السيادة السورية يُطرح اليوم في سياق جديد.. سياق الفاعلية السياسية، لا ردّ الفعل، وسياق المبادرة، لا الاصطفاف.
الشواهد على أهمية الزيارة كثيرة، أبرزها أن الرئيس الشرع هو أول رئيس سوري يُستقبل رسمياً في البيت الأبيض، بعد أن رفعت واشنطن اسمه من قوائم العقوبات الدولية، إلى جانب وزير الداخلية أنس خطاب.. كما تُعد هذه الزيارة تتويجاً لمسار دبلوماسي بدأ منذ تحرير سوريا في الثامن من كانون الأول الماضي، وبلغ ذروته بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعمه العلني للحكومة السورية.
في العمق، تحمل الزيارة دلالات كبيرة.. فهي تعتبر إعلاناً بأن سوريا، التي خرجت من سنوات الحرب والتفكك، باتت تمتلك قرارها، وتفاوض من موقع الدولة المستقلة، لا من موقع الطرف الباحث عن اعتراف.. وهذا بحد ذاته تحوّل نوعي في المشهد الإقليمي.

من واشنطن إلى الداخل السوري

كما أن الزيارة تأتي في لحظة دقيقة داخلياً، حيث تتقاطع ملفات إعادة الإعمار، وضبط السوق، واستعادة الثقة الشعبية، مع الحاجة إلى دعم دولي حقيقي، لا مشروط ولا انتقائي.. وهنا، تبرز أهمية اللقاء مع واشنطن، وهذا ليس فقط لرفع العقوبات أو جذب الاستثمارات، بل لإعادة تعريف العلاقة مع الغرب على أساس المصالح المتبادلة، لا الإملاءات.
الرئيس الشرع، الذي يُعرف بقدرته على إدارة الملفات المعقدة، يذهب إلى واشنطن وهو يحمل معه سردية جديدة: «سوريا ليست ساحة نفوذ، بل دولة تبحث عن شراكات تحفظ كرامتها وتخدم شعبها»، وهذا ما يفسر الحذر في الخطاب الرسمي، والحرص على عدم تقديم تنازلات مجانية.

اختبار الإرادة الوطنية

كذلك فإن اللقاء المرتقب بين الشرع وترامب يُعد اختباراً للإرادة الوطنية السورية: هل تستطيع دمشق أن تُفاوض من دون أن تُفرّط؟ هل يمكنها أن تُعيد التموضع دولياً من دون أن تُغادر أو تتخلى عن ثوابتها؟ وهل تستطيع أن تُثبت أن السيادة لا تُقاس فقط بالحدود، بل بالقدرة على اتخاذ القرار؟
وفي هذا السياق، تُصبح الزيارة فرصة لاختبار مبدأ «السيادة التفاوضية»، أي القدرة على الدخول في شراكات دولية من دون أن تُمسّ الهوية الوطنية أو تُفرض أجندات خارجية.. وهذا ما يُراهن عليه كثيرون في الداخل السوري، ممن يرون في الشرع رجل المرحلة، القادر على الجمع بين الواقعية السياسية والتمسك بالثوابت.

ما بعد الزيارة

كل الأنظار تتجه إلى ما بعد اللقاء.. هل ستُترجم الزيارة إلى خطوات عملية؟ هل سنشهد رفعاً تدريجياً للعقوبات؟ هل ستُفتح أبواب الاستثمار؟ وهل ستُعاد سوريا إلى موقعها الطبيعي في النظام الدولي؟
إن ما يُعزز هذه التوقعات هو تصريح الرئيس الشرع نفسه بأن «العقوبات على سوريا في مراحلها الأخيرة»، مؤكداً أن الفرصة المتاحة اليوم للسوريين في الداخل والخارج هي «فرصة نادرة يجب استثمارها».. كما تشير تقارير إلى أن واشنطن تسعى لتوقيع اتفاقيات أمنية واقتصادية مع دمشق، تشمل التعاون في مكافحة الإرهاب، وضبط الحدود، وإعادة دمج سوريا في النظام العالمي.
المؤكد أن زيارة الشرع إلى واشنطن ليست مجرد حدث، بل هي بداية مسار جديد، تُعيد فيه سوريا تعريف نفسها، لا كدولة خارجة من الحرب فقط، بل كدولة تُعيد بناء مكانتها، وتُفاوض من موقع القوة، وتُثبت أن السيادة لا تُمنح، بل تُنتزع.

Leave a Comment
آخر الأخبار