الحرية – مها سلطان :
رغم إن زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى تركيا كانت متوقعة بين يوم وآخر في ظل التطورات التي شهدتها سوريا مؤخراً، وآخرها رفع العقوبات الأميركية/الأوروبية.. ولكن أن تتم من دون إعلان مُسبق، فهذا ما استدعى التوقف وتوسيع دائرة التحليل والتوقعات، ومَردّ ذلك هو ربط التطورات باللاإعلان، وأن الجانبين التركي والسوري أرادا مباحثات بعيدة عن ضجيج الإعلام، وعن حالة تشويش معينة قد تنتج عن تسريبات من هنا وهناك، طبعاً باستثناء التقاط الصور الرسمية ونشرها لاحقاً، وهذا أمر مفهوم تستدعيه مقتضيات كثيرة، أما موضوع المباحثات المغلقة التي استمرت ساعة ونصف الساعة بين الرئيس الشرع والرئيس رجب طيب أردوغان، فهي بلا شك تستدعي التوقف ولكن أليست كل المباحثات بالمجمل مغلقة، أو فيها جانب مغلق؟
هناك من ربط عدم الإعلان عن الزيارة بضيق وقتها، فقد كانت سريعة، بمعنى خاطفة، وبما جعل الإعلان عنها أمراً ليس بالأولوية نفسها لما تضمنته المباحثات من ملفات حساسة تحتاج ترتيبات زمنية للحديث حولها وحول نتائجها.
وهناك من يرى أن الزيارة خطط لها في الظل ونفذت من دون ضجيج إعلامي، وبالتالي فهي تعكس حجم التفاهمات غير المعلنة التي تبنى تباعاً بين الجانبين، هذا عدا عن أن سوريا الجديدة تراهن بلا شك على أنقرة كحليف مركزي، سواء على مستوى الاستثمارات أو على مستوى بناء «شبكة مصالح» جديدة بعيدة عن حلفاء النظام السابق، روسيا وإيران، اللتين طغتا على المشهد السوري لعقود.
لا شك في أن مجمل الملفات التي كانت على طاولة البحث حساسة في سياق سوري/عربي/ إقليمي متغير بصورة يومية وبقفزات واسعة، حتى أن إجراء عمليات تحليل وتوقع أمر صعب للغاية ويحتمل الكثير من الخطأ والمغالطات، وفي موضوع العلاقات السورية التركية ورغم إن سياقاتها تكاد تكون واضحة بمجملها، إلا أن ذلك لا يتوافق كلياً مع تطورات المشهد الإقليمي/الدولي المرتبط بسوريا والذي ينعكس حكماً على هذه العلاقات، بجانبيه السلبي والإيجابي، لذلك فإن الزيارات والمباحثات لا تتوقف بين البلدين، وعلى الأكيد لن تكون النتائج فورية كونها تأتي في سياقات أخرى غير مكتملة.. وعليه لا بد من الانتظار وإن كنا في سوريا «والمنطقة عموماً» بعد 14 عاماً من حرب مدمرة، نتوجس أكثر مما نتفاءل، خصوصاً في ظل صدور بيانات لا تكاد تقول شيئاً.
بالعموم لا تخرج حالة الانتظار هذه عن وضعية التسريبات الإعلامية دون تأكيد رسمي. الإعلام التركي نشر اليوم الأحد ما مفاده أن تركيا تخطط لإنشاء قاعدتين بحرية وجوية في سوريا. ونقل عن مصادر في الأجهزة الأمنية التركية أن «أنقرة ستقدم المساعدة للسلطات السورية في مجال تنظيم الجيش وقوات الأمن» في إطار محاربة تنظيم داعش الإرهابي. وتقول صحيفة «توركيه» نقلاً عن المصادر نفسها إن هناك اجتماعات دورية بين خمس دول، ومعها تركيا، لبحث آلية محاربة داعش، دون تحديد هذه الدول، مشيرة إلى أن تركيا تقدم مساهمة كبيرة في تعزيز الأمن في المنطقة.
ما جاء في الإعلام التركي يدعمه أن المباحثات كانت بمشاركة كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين من البلدين، حيث ضم من الجانب السوري وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصر. ومن الجانب التركي وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس الاستخبارات إبراهيم قالن، ورئيس هيئة الصناعات الدفاعية خلوق غورغون،«وكان رئيس جهاز الاستخبارات التركية ابراهيم قالن زار دمشق قبل أيام والتقى الرئيس الشرع لذلك تم أيضاً ربط هذه الزيارة بزيارة الرئيس الشرع وهي الثالثة له إلى تركيا».
المصادر آنفة الذكر أشارت إلى لقاء محتمل بين أردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث ستكون سوريا أحد الملفات الرئيسية.
الآن، إذا ما تم هذا اللقاء، أي إنه سيأتي عقب لقاء الشرع/أردوغان، فهذا يعني أن لقاءهما أمس السبت، بالغ الأهمية، وهو يأتي في الأساس بعد أيام قليلة من لقاء الرئيس الشرع مع ترامب في العاصمة السعودية الرياض 13 أيار الجاري، تاريخ تطبيع العلاقات السورية الأميركية، ثم الترخيص الأميركي رقم 25 الذي صدر فجر أمس السبت، كل هذا لا بد من أن يكون حاضراً ونحن نبحث ونسأل حول ماذا تركزت مباحثات الشرع- أردوغان، وبماذا خرجت؟
أكثر المسائل حساسية ربما – حسب المراقبين- هي مساران تجد سوريا الجديدة نفسها ضمنهما، وهما مسار تركي ومسار عربي/ خليجي، ويرون أن مباحثات الشرع- أردوغان تركزت هنا، بمعنى تحقيق توافق مصالح بين المسارين، خصوصاً مع بروز المسار العربي الخليجي مؤخراً، علماً أن تركيا لطالما كانت لاعباً أساسياً في المشهد السوري طيلة السنوات الـ14 الماضية، ونحن نتحدث هنا عن جانب الثورة، وهو ما تعزز بطبيعة الحال مع سقوط النظام السابق، قبل أن يشهد الحضور التركي مؤخراً انحساراً لمصلحة حضور المسار الخليجي العربي (الأميركي) بعد لقاء الرئيس الشرع مع ترامب، وتكثيف السعودية ودول الخليج عموماً جهودها في سبيل إدامة التقارب السوري الأميركي ليصل إلى خواتيمه المنشودة.
بكل الأحوال، وأياً تكن التحليلات، فإن الزيارة كانت مهمة جداً لكن شأنها شأن كل التطورات المستمرة، لا بد من الانتظار لخصوصية المرحلة أولاً، وثانياً لتسارع التطورات ومسارها المفاجئ في أحيان كثيرة وبما يجعل مهمة التحليل والتوقع مسألة ليست في الإمكان دائماً.