زيارة ثالثة ومباحثات مغلقة.. لقاء الرئيسين الشرع- أردوغان وبناء «شبكة مصالح» جديدة ‏

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان ‏:
رغم إن زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى تركيا كانت متوقعة بين يوم وآخر في ظل التطورات التي شهدتها ‏سوريا مؤخراً، وآخرها رفع العقوبات الأميركية/الأوروبية.. ولكن أن تتم من دون إعلان مُسبق، فهذا ما ‏استدعى التوقف وتوسيع دائرة التحليل والتوقعات، ومَردّ ذلك هو ربط التطورات باللاإعلان، وأن ‏الجانبين التركي والسوري أرادا مباحثات بعيدة عن ضجيج الإعلام، وعن حالة تشويش معينة قد تنتج عن ‏تسريبات من هنا وهناك، طبعاً باستثناء التقاط الصور الرسمية ونشرها لاحقاً، وهذا أمر مفهوم تستدعيه ‏مقتضيات كثيرة، أما موضوع المباحثات المغلقة التي استمرت ساعة ونصف الساعة بين الرئيس الشرع ‏والرئيس رجب طيب أردوغان، فهي بلا شك تستدعي التوقف ولكن أليست كل المباحثات بالمجمل ‏مغلقة، أو فيها جانب مغلق؟
هناك من ربط عدم الإعلان عن الزيارة بضيق وقتها، فقد كانت سريعة، بمعنى خاطفة، وبما جعل ‏الإعلان عنها أمراً ليس بالأولوية نفسها لما تضمنته المباحثات من ملفات حساسة تحتاج ترتيبات ‏زمنية للحديث حولها وحول نتائجها.‏
وهناك من يرى أن الزيارة خطط لها في الظل ونفذت من دون ضجيج إعلامي، وبالتالي فهي تعكس حجم ‏التفاهمات غير المعلنة التي تبنى تباعاً بين الجانبين، هذا عدا عن أن سوريا الجديدة تراهن بلا شك على ‏أنقرة كحليف مركزي، سواء على مستوى الاستثمارات أو على مستوى بناء «شبكة مصالح» جديدة ‏بعيدة عن حلفاء النظام السابق، روسيا وإيران، اللتين طغتا على المشهد السوري لعقود.‏
لا شك في أن مجمل الملفات التي كانت على طاولة البحث حساسة في سياق سوري/عربي/ إقليمي متغير ‏بصورة يومية وبقفزات واسعة، حتى أن إجراء عمليات تحليل وتوقع أمر صعب للغاية ويحتمل الكثير ‏من الخطأ والمغالطات، وفي موضوع العلاقات السورية التركية ورغم إن سياقاتها تكاد تكون واضحة ‏بمجملها، إلا أن ذلك لا يتوافق كلياً مع تطورات المشهد الإقليمي/الدولي المرتبط بسوريا والذي ينعكس ‏حكماً على هذه العلاقات، بجانبيه السلبي والإيجابي، لذلك فإن الزيارات والمباحثات لا تتوقف بين البلدين، ‏وعلى الأكيد لن تكون النتائج فورية كونها تأتي في سياقات أخرى غير مكتملة.. وعليه لا بد من الانتظار ‏وإن كنا في سوريا «والمنطقة عموماً» بعد 14 عاماً من حرب مدمرة، نتوجس أكثر مما نتفاءل، ‏خصوصاً في ظل صدور بيانات لا تكاد تقول شيئاً.‏
بالعموم لا تخرج حالة الانتظار هذه عن وضعية التسريبات الإعلامية دون تأكيد رسمي. الإعلام التركي ‏نشر اليوم الأحد ما مفاده أن تركيا تخطط لإنشاء قاعدتين بحرية وجوية في سوريا. ونقل عن مصادر في ‏الأجهزة الأمنية التركية أن «أنقرة ستقدم المساعدة للسلطات السورية في مجال تنظيم الجيش وقوات ‏الأمن» في إطار محاربة تنظيم داعش الإرهابي. وتقول صحيفة «توركيه» نقلاً عن المصادر نفسها إن ‏هناك اجتماعات دورية بين خمس دول، ومعها تركيا، لبحث آلية محاربة داعش، دون تحديد هذه الدول، ‏مشيرة إلى أن تركيا تقدم مساهمة كبيرة في تعزيز الأمن في المنطقة.‏
ما جاء في الإعلام التركي يدعمه أن المباحثات كانت بمشاركة كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين من ‏البلدين، حيث ضم من الجانب السوري وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصر. ‏ومن الجانب التركي وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس الاستخبارات ‏إبراهيم قالن، ورئيس هيئة الصناعات الدفاعية خلوق غورغون،«وكان رئيس جهاز الاستخبارات ‏التركية ابراهيم قالن زار دمشق قبل أيام والتقى الرئيس الشرع لذلك تم أيضاً ربط هذه الزيارة بزيارة ‏الرئيس الشرع وهي الثالثة له إلى تركيا».‏
المصادر آنفة الذكر أشارت إلى لقاء محتمل بين أردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث ‏ستكون سوريا أحد الملفات الرئيسية. ‏
الآن، إذا ما تم هذا اللقاء، أي إنه سيأتي عقب لقاء الشرع/أردوغان، فهذا يعني أن لقاءهما أمس السبت، ‏بالغ الأهمية، وهو يأتي في الأساس بعد أيام قليلة من لقاء الرئيس الشرع مع ترامب في العاصمة ‏السعودية الرياض 13 أيار الجاري، تاريخ تطبيع العلاقات السورية الأميركية، ثم الترخيص الأميركي ‏رقم 25 الذي صدر فجر أمس السبت، كل هذا لا بد من أن يكون حاضراً ونحن نبحث ونسأل حول ماذا ‏تركزت مباحثات الشرع- أردوغان، وبماذا خرجت؟

أكثر المسائل حساسية ربما – حسب المراقبين- هي مساران تجد سوريا الجديدة نفسها ضمنهما، وهما ‏مسار تركي ومسار عربي/ خليجي، ويرون أن مباحثات الشرع- أردوغان تركزت هنا، بمعنى تحقيق ‏توافق مصالح بين المسارين، خصوصاً مع بروز المسار العربي الخليجي مؤخراً، علماً أن تركيا لطالما ‏كانت لاعباً أساسياً في المشهد السوري طيلة السنوات الـ14 الماضية، ونحن نتحدث هنا عن جانب ‏الثورة، وهو ما تعزز بطبيعة الحال مع سقوط النظام السابق، قبل أن يشهد الحضور التركي مؤخراً ‏انحساراً لمصلحة حضور المسار الخليجي العربي (الأميركي) بعد لقاء الرئيس الشرع مع ترامب، ‏وتكثيف السعودية ودول الخليج عموماً جهودها في سبيل إدامة التقارب السوري الأميركي ليصل إلى ‏خواتيمه المنشودة.‏
بكل الأحوال، وأياً تكن التحليلات، فإن الزيارة كانت مهمة جداً لكن شأنها شأن كل التطورات المستمرة، ‏لا بد من الانتظار لخصوصية المرحلة أولاً، وثانياً لتسارع التطورات ومسارها المفاجئ في أحيان كثيرة ‏وبما يجعل مهمة التحليل والتوقع مسألة ليست في الإمكان دائماً.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار