الحرّية-هبا علي أحمد:
تأتي مشاركة الجمهورية العربية السورية مؤخراً في المؤتمر الدولي للمنظمة الدولية للتقييس (ISO) كخطوة مهمة على طريق وضع اسم سوريا على خريطة التقييس الدولي، وتعزيز موقعها كشريك فاعل في صياغة المعايير التي تسهم في رفع جودة المنتجات والخدمات، ودعم مسيرة التنمية المستدامة والابتكار، وتمكين الصناعات الوطنية من الوصول إلى الأسواق العالمية بمعايير تنافسية..
المشاركة في المؤتمر الدولي للتقييس خطوة استراتيجية لإعادة تثبيت موقع سوريا ضمن منظومة التقييس العالمية
التأثير في صياغة المواصفات
حول هذه المشاركة وأهميتها وانعكاسها على استعادة الثقة بالمنتجات والخدمات السورية في الأسواق العالمية، أكد مدير عام هيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية، الدكتور ياسر عليوي (ضمن الوفد السوري المشارك في المؤتمر) أن مشاركة سوريا في الاجتماع السنوي للمنظمة الدولية للتقييس (ISO) تمثل خطوة استراتيجية لإعادة تثبيت موقع سوريا ضمن منظومة التقييس العالمية.
.. فالهيئة تعمل على بناء جسور تعاون فني مع نظيراتها في الدول الأخرى، والمشاركة الفاعلة في اللجان الفنية لصياغة المعايير الدولية، فهذا الاندماج يتيح التأثير في صياغة المواصفات التي تمسّ القطاعات الإنتاجية السورية، ويمكّننا من تحديث منظومتنا الوطنية وفق أفضل الممارسات العالمية.
وأضاف عليوي في تصريح لـ«الحرّية»: عندما تكون المواصفات الوطنية منسجمة مع المعايير الدولية، فإن المنتج السوري يصبح قابلاً للمطابقة مع المنتجات العالمية من حيث الجودة والسلامة.
.. وهذا يعيد الثقة للأسواق الخارجية بالمنتجات السورية، ويُسهم في إزالة الحواجز التقنية أمامها، ما يفتح المجال أمام توسع صادراتنا واستعادة مكانة «صُنع في سوريا» في الأسواق الدولية.
بيئة استثمارية مستقرة
وحول الفرص الاقتصادية التي يمكن أن تنشأ عن التزام سوريا بالمعايير الدولية للجودة (ISO) وكيف يُمكن أن يؤثر ذلك على الصادرات السورية وقدرتها التنافسية، بيّن الدكتور عليوي أنّ الالتزام بمعايير الجودة الدولية يُسهم في رفع كفاءة المنتجات السورية ويزيد من موثوقيتها عالمياً، ما يؤدي إلى تحسين فرص دخولها للأسواق الخارجية وتقليل رفضها لأسباب فنية.
..كما إن تبنّي هذه المعايير يدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في تحسين جودة منتجاتها وتقليل تكاليفها، ما يعزز قدرتها على المنافسة داخلياً وخارجياً، ويزيد من القيمة المضافة للمنتجات السورية في الأسواق.
وبناء على ما سبق، فإن تطبيق معايير الجودة العالمية يخلق بيئة استثمارية مستقرة وموثوقة، ويمنح المستثمرين الأجانب الثقة بأن العمليات الصناعية والتجارية في سوريا تتم وفق أطر فنية معترف بها دولياً، وفقاً لمدير عام الهيئة.
تُعدّ شهادات ISO بمثابة «جواز مرور» للمنتجات في الأسواق العالمية لتأكيد مطابقة المنتج للمعايير المطلوبة وتقليل الحاجة لاختبارات إضافية في بلدان الاستيراد
رفع الثقة بالمنتجات
ولفت عليوي إلى أن تطبيق أنظمة الجودة يُسهم في تحسين إدارة العمليات الصناعية، وتقليل الهدر والأخطاء الإنتاجية، ورفع مستوى الكفاءة التشغيلية، وهذا ينعكس مباشرة على تقليل التكاليف وزيادة الربحية، كما تمكّن هذه المعايير المؤسسات الصغيرة من الانضمام إلى سلاسل التوريد الكبرى بفضل امتلاكها نظام جودة معترفاً به دولياً.
كما أشار الدكتور عليوي إلى أن تطبيق معايير الجودة يضمن للمستهلك الحصول على منتجات وخدمات آمنة وموثوقة، كما يسهّل على الجهات الرقابية ضبط الأسواق ومكافحة الغش الصناعي. وهذا يرفع مستوى الثقة بالمنتجات الوطنية، ويعزز ثقافة الجودة لدى المستهلك والمصنّع على حدٍّ سواء.
ولا شك في أن هناك قطاعات تستفيد أكثر من غيرها من خلال تطبيق معايير ISO وتشمل الصناعات الغذائية والدوائية والهندسية والإنشائية، إضافةً إلى مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، وهي قطاعات تمتلك مقومات كبيرة للنمو في حال تطبيق أنظمة الجودة المتكاملة.
جواز مرور للمنتجات
وتُعدّ شهادات ISO «جواز مرور» للمنتجات في الأسواق العالمية، فهي تؤكد مطابقة المنتج للمعايير الفنية المطلوبة، كما يرى الدكتور عليوي، وتقلّل الحاجة لاختبارات إضافية في بلدان الاستيراد، وبالتالي هذا يُساهم في خفض تكاليف التصدير، وتسريع إجراءات دخول المنتجات السورية إلى الأسواق الدولية.
تحدّيات التطبيق
من أبرز التحدّيات، التي أشار إليها مدير عام هيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية، ضعف البنية التحتية الفنية للمختبرات، والحاجة إلى تجهيزات حديثة في مجال القياس والمعايرة، إلى جانب النقص في الكوادر الفنية المؤهلة في مجالات الاعتماد وتقييم المطابقة.
.. لكن الهيئة تعمل حالياً على تنفيذ خطة تطوير شاملة تتضمن تدريب الكوادر وتحديث المختبرات وإطلاق برامج دعم لتأهيل الشركات الصغيرة والمتوسطة للحصول على شهادات الجودة.
كما تعمل الهيئة حالياً على تفعيل برامج تعاون مع المنظمات الدولية المعنية بالتقييس والاعتماد، للاستفادة من التجارب الناجحة في المنطقة والعالم في مجال إدارة الجودة وتطوير المواصفات، لتحديث النظام الوطني للتقييس وضمان توافقه مع التوجهات العالمية الحديثة، كما أوضح الدكتور عليوي، وذلك بهدف نقل الخبرة وبناء القدرات الوطنية.
الالتزام بمعايير الجودة الدولية يُسهم في رفع كفاءة المنتجات السورية ويزيد من موثوقيتها عالمياً ويُحسّن فرص دخولها للأسواق الخارجية
التحوّل الرقمي في أنظمة التقييس
ولدى سؤالنا عن أبرز المواضيع التي تم التركيز عليها خلال مشاركة الوفد السوري في المؤتمر، أجاب المدير العام بأنه تمّ التركيز على قضايا أساسية مثل التحوّل الرقمي في أنظمة التقييس، ودور المعايير في تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز القدرات الوطنية في مجال الاعتماد والمختبرات.
كما عقد الوفد السوري عدداً من اللقاءات الثنائية مع رؤساء أجهزة التقييس العربية والدولية، وتمّ خلالها بحث سبل التعاون الفني وتبادل الخبرات في مجالات تطوير المواصفات والمختبرات، مع اتفاق مبدئي على تفعيل برامج تدريب مشتركة وتوقيع مذكرات تعاون خلال المرحلة القادمة.
بالمحصلة، يرى الدكتور عليوي أن عودة سوريا إلى الساحة الدولية عبر بوابة المواصفات والمقاييس تُمثل خطوة وطنية مهمة نحو بناء اقتصاد يقوم على الجودة والمعرفة، مؤكداً أن الهيئة العربية السورية للمواصفات والمقاييس ملتزمة بمواصلة العمل مع الشركاء الدوليين لتطوير البنية التحتية للجودة، وتمكين الصناعات الوطنية من المنافسة إقليمياً وعالمياً.