الحرية- عمران محفوض:
تتدحرج الشائعات على مسارات حياتنا اليومية “كجلمود صخر حطه السيل من علٍ”.. خبر ينتهي بكلمة “مؤكد” وآخر بـ”متداول” وثالث بعبارة “قيد الإصدار”.. معلومات تتناقلها شتى وسائل التواصل الاجتماعي عن مصادر غير موثوقة، من دون أن يكلّف “الأدمن” خاطره عناء سؤال مسؤول أو مراجعة مؤسسة رسمية للتأكد من مضمونها قبل استعجال أمر النشر، غير مكترث لعواقب ردات أفعال القراء والمعنيين، وكأن الغاية من نشر الشائعات زيادة أعداد “اللايكات” ومراكمة التعليقات التي أقل ما يمكن وصفها بالسطحية والسخيفة أو المنسوخ آخرها عن أولها، وإذا ما سألت أحد مشرفي صفحات التواصل الاجتماعي عن سبب نشره لشائعة ما؛ كان ردّه بكلّ بساطة “ناقل الكُفر ليس بكافر”.
بعض الشائعات يتم نفيها سريعاً من الجهات المعنية فور نشرها، وأخرى تُترك لتكبر ككرة ثلج تدحرجت من قمة الجبل نحو الوادي، فيكثر مصدقوها حتى تصبح مطلباً شعبياً، ومع هذا التأخير لم يعد مفيداً إصدار نفي أو تأكيد لفرملة مشوارها التضليلي في عقول المواطنين.
مع تقدم الوقت تزداد خطورة الشائعات، وربما تتجاوز مضمونها المنسوخ من خيال معدّها إلى مخاطر أعمق وأكثر شمولية في سعيها نحو تهديد استقرار المجتمع..
– تسبب الشائعات الإحباط والفوضى بين المواطنين، وتضعف الثقة بالمؤسسات.
– تؤدي إلى خلافات داخل الأسرة وتفكك الروابط الاجتماعية.
– تؤثر الشائعات على صانعي القرار، وتؤدي إلى إصدار قرارات متسرعة أو خاطئة في بعض الحالات.
– تسبب القلق والخوف والذعر لدى الأفراد.
– قد تُستغل لتشتيت الانتباه عن المشاكل الرئيسية التي تحتاج إلى معالجات مستعجلة.
– تهدد استقرار الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد عبر انخفاض مستوى الثقة بالعملة الوطنية وجدوى المشروعات الاستثمارية.
– تؤثر الشائعات على العلاقات التجارية مع الدول، وتفرمل مؤقتاً التعاملات والحوالات المالية الخارجية.
كثيرة هي مخاطر الشائعات، ومثلها طرق معالجتها، أو سرعة وأدها في مهدها؛ لكن بشرط ألا تكون الحلول مجتزأة أو مكررة ومجربة بلا نتيجة؛ فالمسألة تستحق الاهتمام وأكثر من ذلك عبر إحداث مراكز أبحاث متخصصة بمجال دحض الشائعات؛ والتضليل الإعلامي؛ وفبركة الأخبار الكاذبة؛ نظراً لتنامي دور هذه الأدوات الدعائية- العدائية في تدمير المجتمعات الآمنة، وإشعال فتيل الحروب الأهلية داخل الدول، وفيما بينها.
فحملات التوعية المكتفية بعبارات “لا تصدّق أي خبر إلا بعد التحقق منه.. توقف عن نشر الخبر إذا لم تكن متأكداً من صحته.. لا تخض في ما ليس لك به علم.. حاول التحكم في مشاعر الغضب أو القلق التي تثيرها الشائعات لكي تتمكن من التفكير بشكل سليم.. تعامل مع الشائعة كأمر خطير نظراً لتأثيرها المدمر.. استبدل الشائعات بمعلومات دقيقة وحقائق مثبتة.. اعتمد على مصادر المعلومات الرسمية والموثوقة لتلقي الأخبار..” وغيرها، لم تعد ذات جدوى مع توافر إمكانيات انتشار الشائعات ووصولها إلى ملايين المتابعين خلال دقائق؛ وأحياناً ثوانٍ؛ حسب أهمية الخبر ومضمونه، وأعداد المهتمين به، والمستفيدين من مفاعيله؛ في حال كان حقيقة، لذلك على الدولة ابتداع أفكار جديدة للتصدي لسيل الشائعات، وقطع طرقها قبل أن تتحول إلى سيول؛ وفيضانات معلوماتية مدمرة لكل نسيج مجتمعي أو بناء وطني مشاد على مسار تقدمها المستمر؛ وانتشارها اللا محدود.