شريان حياة يهدد الاقتصاد السوري.. التحويلات المالية لا تزال على رأس المصادر الاقتصادية للسوريين

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية ـ رشا عيسى:
لا تزال التحويلات المالية الخارجية بمثابة  شريان الحياة للأسر السورية ومتنفساً للاقتصاد الوطني، وأحد المصادر الاقتصادية المهمة في ظل تراجع الإنتاج وضعف البنية الاستثمارية، ورغم الإيجابية التي تحيط بعمليات التحويل كونها تنتشل جزءاً من الأسر من الفقر، وتجنب قسماً آخر العوز، لكنها تعد عاكساً اساسياً لهشاشة البنية الإنتاجية، وانعدام اكتمال الدورة الاقتصادية، وتحول الاقتصاد إلى استهلاكي لا إنتاجي.

الانتقال من ضفة الاستهلاك إلى الإنتاج، ربما يبدو شاقاً، لكن الفرصة متاحة حالياً بعد تحرير سوريا، والاتجاه لاعتماد سياسة اقتصادية أكثر مرونة بقوانين عصرية، وكذلك الوعود بطي صفحة العقوبات الخارجية، كل ما سبق ربما يكون بداية العودة إلى الإنتاج المعطل في معظم القطاعات، وعندها تكون الحوالات رقماً مهماً على الصعيد الاقتصادي الأسري، لا على صعيد اقتصاد وطن.

العرق: الاقتصاد السوري يعتمد بشكل مفرط على التحويلات

عدم الاستقرار

السنوات السابقة من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، أوصلت الاقتصاد السوري إلى الحضيض، إضافة إلى ما خلفته الحرب من تدمير للبنية التحتية بشكل شبه كامل، ما أزّم الأوضاع المعيشية، إلى جانب الخلل والفساد المستشري سابقاً في إدارة الملف الاقتصادي بشكله الكلي.
حالياً، لا تزال التحويلات الخارجية تسجل أرقاماً تدرج بشكل أساسي على نسب الإنفاق، وحاكم مصرف  سوريا المركزي الدكتور عبد القادر حصرية أكد في تصريحات صحفية مؤخراً  أن الأعمدة التي يستند إليها المركزي في استراتيجيته هي تحويلات المغتربين إذ إن التحويلات من الإمارات وحدها تتراوح بين 700 و800 مليون دولار سنوياً.

العرق: التحويلات الخارجية ليست أساساً صحياً لبناء اقتصاد طويل الأمد

شريان حياة

الخبير الاقتصادي الدكتور محمود أحمد العرق، لفت في حديث لـ ” الحرية” أن تصريحات الحاكم حصرية واقعية إلى حد كبير، فالأرقام  تعكس أن التحويلات أصبحت شريان حياة أساسي للاقتصاد السوري في ظل تراجع الصادرات، ضعف الاستثمار، والعقوبات التي تعيق تدفق العملات الأجنبية.

تقارير البنك الدولي نفسها تؤكد أن التحويلات تشكل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي السوري (بين 15–20% تقريباً في بعض السنوات)، ومع ذلك وجد العرق أن الاقتصاد السوري يعتمد بشكل مفرط على التحويلات، لكن لا يمكن اعتباره قائماً بالكامل عليها، معرجاً على الإيجابيات التي تحملها التحويلات، حيث أنها توفر القطع الأجنبي، وترفع الاستهلاك المحلي، وتساعد الأسر على مواجهة التضخم، أما السلبيات، فتبرز بالاعتماد على التحويلات بشكل أساسي، ما يعكس هشاشة البنية الإنتاجية، ويجعل الاقتصاد تابعاً لدخل خارجي غير منتج داخلياً، كما أن هذه الموارد لا تتحول غالباً إلى استثمارات إنتاجية، بل إلى إنفاق استهلاكي مباشر، وبالتالي لا تخلق دورة اقتصادية مستدامة.

العرق: الاعتماد المستمر على الحوالات دون إصلاحات هيكلية في الإنتاج يبقي الاقتصاد هشاً وتابعاً

إنقاذ مؤقت

وأكد العرق أن الاقتصاد السوري يعتمد اليوم  بشكل ملحوظ على التحويلات كأحد أهم مصادر القطع الأجنبي، لكنها ليست أساساً صحياً لبناء اقتصاد طويل الأمد، التحويلات تنقذ الاقتصاد مؤقتاً لكنها لا تبنيه، الاعتماد المستمر عليها من دون إصلاحات هيكلية في الإنتاج المحلي، سيبقي الاقتصاد في حالة هشاشة وتبعية.
وعند سؤال العرق، أين تكمن المشكلة كما يراها ؟ حددها بغياب بدائل إنتاجية حيث لا تزال الزراعة والصناعة متراجعة، إضافة إلى  مركزية التحويلات وأي تراجع فيها (بسبب تغير سياسات دول الخليج أو أوضاع المغتربين) سيترك أثراً مباشراً وكبيراً على الاقتصاد، ومحدودية الاستفادة،حيث غالبية هذه التحويلات تذهب للأمور المعاشية، وغالباً يكون دور الحكومة ضعيف بإدارة هذه التحويلات، وتوجيهها للبناء الاقتصادي والاجتماعي.
وفي إحصائية نشرت سابقاً، بينت أن قيمة الحوالات  تتراوح ما بين 5 إلى 7 ملايين دولار في الأيام العادية وترتفع إلى أكثر من 10 ملايين دولار في المواسم والأعياد، وبعد تحرير سوريا في أواخر العام الفائت، زادت نسبة القطع الأجنبي والذي مرده إلى الحوالات أو زيادة في عدد المغتربين القادمين إلى سوريا.
ومع التحديات الناجمة عن ضعف الإنتاج، لن يكون الدعم الخارجي كافياً وحده، ما يفرض على الحكومة البحث عن مصادر دخل مستدامة، وإدارة الموارد الطبيعية، وفرض الضرائب، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، واعتماد قوانين مالية جديدة وحوكمة حقيقية.

Leave a Comment
آخر الأخبار