صناعة السفن في مارينا اللاذقية… مهنةٌ عتيقة تقاوم الاندثار

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – نهلة أبو تك:

في الزاوية الشمالية من “المارينا”، ذلك الميناء القديم في مدينة اللاذقية الذي احتضن تاريخاً طويلاً من النشاط البحري، لا تزال صناعة السفن تحافظ على نبضها في وجه رياح التحديات. بين زرقة البحر وهمس الموج، تقاوم ورش صغيرة، بأيدٍ خبيرة وصبرٍ عتيق، اندثار مهنةٍ ضاربة الجذور في تاريخ الساحل السوري.

من خشب الأرز إلى الحديد الصلب

“كانت سورية من الدول الرائدة في صناعة السفن خلال فترات طويلة من التاريخ”، يقول أحمد حريشية، مدير مؤسسة “حريشية لصناعة السفن”، وهي إحدى أقدم الورش البحرية العاملة حالياً في مارينا اللاذقية. ويضيف: “بدأ أجدادنا هذه المهنة عام 1944، وانتقلت من بانياس إلى اللاذقية، حيث تطورت عبر العقود من صناعة القوارب الخشبية التقليدية إلى بناء زوارق حديدية وسفن فيبرغلاس بقدرات متطورة”.
نعتمد على الإنتاج المحلي الكامل، حيث يُبنى القارب من الألف إلى الياء داخل الورشة، بإشراف مهندسين بحريين وصنّاع مهرة. وتتنوّع منتجاتها بين قوارب الصيد والنزهة، وصولاً إلى سفن شحن صغيرة بطول يصل إلى 37 متراً.

حرفة تأبى الموت

رغم دخول التكنولوجيا الحديثة، لا تزال اللمسة اليدوية تحتل مكانها في هذه المهنة. “صناعة السفن لا تموت بسهولة، لأنها مرتبطة بالبحر والإنسان الساحلي”، يقول حريشية معظم العمال الذين يعملون في الورشة ورثوا المهنة أباً عن جدِّ. وتمكنت خلال السنوات الماضية من تصدير زوارق إلى دول مثل قبرص وتركيا والسعودية ورومانيا، ما يعكس قدرة الصناعات البحرية السورية على المنافسة خارجياً رغم الظروف.

تحديات في مواجهة التيار

لكنّ هذا الإرث البحري يواجه اليوم جملة من التحديات. “نُعاني من صعوبة تأمين المواد الأولية كالحديد والألياف بسبب ارتفاع التكاليف وقيود الاستيراد، فضلاً عن عراقيل قانونية تتعلق بالترخيص والتصدير”، يوضح حريشية، مشيراً إلى أنّ السفن الجاهزة المستوردة باتت تشكّل منافساً شرساً للصناعة المحلية.

الرهان على دعم إستراتيجي

رغم كل الصعوبات، لا يزال الأمل حاضراً. “إذا اعتُمدت صناعة السفن كقطاع إستراتيجي ضمن الاقتصاد البحري، ودُعمت بالتسهيلات الجمركية والتقنية، فيمكن لسوريا أن تستعيد موقعها كمصنّع ومؤهل رئيسي للسفن في شرق المتوسط”، يختم حريشية حديثه.

في نهاية الجولة داخل الورشة، وبين رائحة الحديد والزيت، بدت المشاهد كأنها تنتمي إلى زمن قديم، لكنها لا تزال حيّة تنبض بالإرادة. فصناعة السفن في مارينا اللاذقية، وإن أرهقها الإهمال، لم ترفع الراية البيضاء بعد.

Leave a Comment
آخر الأخبار