صناعة السلال من القصب فن أصيل في ذاكرة الريف الساحلي يواجه تحديات العصر

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – باسمة اسماعيل:

لا تزال صناعة السلال من القصب تحاكي تاريخاً طويلاً من الصبر والإبداع، رغم غزو المنتجات البلاستيكية والأدوات الصناعية الأسواق، ورغم قسوة تحديات العصر، إلا أن هذه الحرفة العريقة لا تزال تحتفظ بجاذبيتها لدى الكثيرين، محققة توازناً بين الماضي والحاضر، بين الفن التقليدي والاحتياجات اليومية.

يقول الدكتور غسان القيم الباحث في التراث الشعبي، في تصريحه لـ”الحرية”: حين يغني القصب حكاية سلال لا تشيخ من ذاكرة الريف الساحلي، ندرك أن هذه الحرفة ما زالت تقاوم النسيان، تلك السلال التي تنسج بأنامل حرفية، تحمل قصص الأجداد وتوثق ذاكرة المكان، لم تكن مجرد أدوات منزلية، بل كانت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، تحاكي طبيعة العمل والاحتياجات الفلاحية في مختلف الفصول.

من الماء إلى اليد رحلة السلة المدهشة

ولفت إلى أن السلة المصنوعة من القصب تبدأ حياتها من الطبيعة، إذ يخرج الفلاح في فجر أيام الخريف ليجني القصب الطويل، الذي يحتاج إلى العناية والوقت ليصبح صالحاً للنسج، يتم تجفيفه أولاً، ثم ينقع في الماء ليكتسب ليونته، ويبدأ الحرفي بتشكيله بحذر في ورشته الصغيرة أو تحت ظل شجرة توت معمرة، العملية ليست سهلة، تحتاج إلى صبر ودقة، فكل عقدة في السلة هي جزء من قصة الحرفة.

العم أبو علي محمد بلول، من قرية عين شقاق يعمل في هذه المهنة منذ ما يقارب ٤٠ عاماً، مهنة الأسرة كما قال ل “الحرية” مهنة تحتاج للصبر والدقة لكن فيها متعة، وتحقق لكل يعمل بها اكتفاءه المادي.

السلة: أكثر من مجرد أداة منزلية

وتحمل السلال القصبية في طياتها الكثير من الذكريات والرموز، التسعينية أم منذر وجيهة من قرية بيت ياشوط ، تقول: السلة اليدوية ليست مجرد وعاء، بل هي جزء من تاريخ بيتي، تحمل في كل خيط رائحة الأرض ودفء الحياة الريفية.
هذا الربط العاطفي مع السلة لا يقتصر على كبار السن فقط، بل يتشارك فيه الكثير من الشباب، حيث يجدون فيها قيمة تتجاوز مجرد وظيفتها كأداة، بل كرمز للجمال البسيط والطبيعة الخالدة.

صناعة مهددة بالزوال الحاجة للدعم والتمويل

ورغم الصعوبات التي تواجه هذه الحرفة، لا يزال هناك أمل في الحفاظ عليها،  تقول العشرينية ديمة باول بنت العم أبو علي: تعلمت المهنة من أبي وأحببتها كثيراً وهي مصدر عيش لي ولأولادي، واليوم أعمل على تحديثها لتناسب الذوق العصري، لكننا بحاجة إلى دعم حقيقي، إلى معارض تروج لمنتجاتنا في المدن الكبرى وخارج البلاد، تسويق منتجاتنا في الأسواق المحلية والدولية، وإيجاد منافذ بيع تساعدنا على الحفاظ على هذه الحرفة العريقة.

القصب يتحدى البلاستيك

على الرغم من الانتشار الواسع للمنتجات البلاستيكية في الأسواق، فإن السلال القصبية لا تزال تحظى بشعبية خاصة، يبين أبو نوار، صاحب محل  لبيع المنتجات القَصبية على جسر جبلة: رغم المنافسة من الأطباق البلاستيكية، لا يزال لدينا الكثير من الزبائن الذين يفضلون السلال القصبية على غيرها، لأنها تتحمل لفترات طويلة ولا تضر بالبيئة، وأنصح بمزاولة هذه المهنة لمن يستطيع العمل بها.

صناعة السلال تراث حي ومستدام

وأشار مَن التقتهم “الحرية” إلى  أن القصب كان جزءاً من حياتنا اليومية، واليوم يجب أن نعمل على دعم هذه الحرفة وحمايتها من الاندثار، السلال المصنوعة من القصب ليست فقط جمالاً، بل هي جزء من ذاكرتنا التي يجب أن نحتفظ بها للأجيال القادمة.

محاكياً أياماً جميلة

ويرى د. غسان إنه: حين يُغني القصب سلاله، يظل ذلك الصدى صامداً في ذاكرة الريف الساحلي، محاكياً أياماً جميلة وأصيلة، تحتاج منا إلى الاهتمام، والدعم، والإيمان بقيمة هذا التراث العريق.

ضرورة الحفاظ على التراث

السلال القصبية اليوم تعد أكثر من مجرد أدوات منزلية، هي مصدر للرزق وتعبير عن هوية المكان، تستخدم في البيوت التراثية، والمطاعم الريفية، كما يتم تزيين الجدران بها كلوحات فنية، أو تحول إلى هدايا تحمل بصمة التراث الشعبي، وتعرض هذه المنتجات في المهرجانات الشعبية والمعارض، التي تعزز من الوعي بضرورة الحفاظ على التراث التقليدي.

Leave a Comment
آخر الأخبار