الحرية- باسمة اسماعيل:
رغم الإجراءات المتخذة لضبط الصيد الجائر في المياه السورية، لا تزال الثروة السمكية تتعرض لخطر الاستنزاف نتيجة الممارسات المخالفة لبعض الصيادين، وسط شكاوى متكررة من استخدام وسائل محظورة، ومطالبات بإعادة النظر في توقيتات منع الصيد التي يرى البعض أنها “مجحفة” بحقهم.
د.ديب: تم ضبط عدد كبير من المخالفات منذ بداية العام
وسائل صيد ممنوعة وثروة في خطر..
في جولة ميدانية قامت بها مراسلة صحيفة “الحرية” بمحافظة اللاذقية وبالتواصل مع عدد من الصيادين، عبر كثيرون عن استيائهم من استمرار استخدام وسائل الصيد المحظورة، مثل الديناميت، الصعق الكهربائي، البارودات، والشباك ضيقة الفتحات، وأشاروا إلى الأثر المدمر لمراكب الجرف القاعي، التي تجرف معها الأسماك الصغيرة والبيوض وحتى التربة البحرية، ما يؤدي إلى تراجع حاد في مخزون الأسماك على المدى البعيد، معتبرين أن هذه الوسائل كانت سابقاً من أسباب التراجع الحاد في الثروة السمكية في السنوات الأخيرة.
صيادو “الشنشيلا” يناشدون
في المقابل، طالب بعض الصيادين العاملين بطريقة “الشنشيلا”، بإلغاء قرار وقف الصيد بين 15 تموز و 15 آب، مشيرين إلى أن هذه الفترة تتزامن مع مرور أنواع مهمة من الأسماك العالمية العابرة مثل السردين والبلميدا، والتي إن لم تصطد في وقتها، تغادر إلى مياه الدول المجاورة، وأكد هؤلاء أن الطقس المعتدل في هذه الفترة يجعلها الأنسب للصيد مقارنة بفصل الشتاء، الذي تكثر فيه العواصف والتيارات القوية.
رئيس جمعية الصيادين في اللاذقية: ندعو للالتزام الكامل بفترات منع الصيد خاصة في مواسم التزاوج والتكاثر
المؤسسة تتابع ضمن الإمكانيات
“الحرية” تواصلت مع المؤسسة العامة للأسماك، ورئيسي جمعية الصيادين في اللاذقية وجبلة، للوقوف على إجراءات المؤسسة لضبط الصيد الجائر، وما التسهيلات المقدمة من قبل المؤسسة للصيادين، ومراقبة التجاوزات بالصيد سواء بمركب الجرف أو غيرها، وآلية منح رخص صيد المراكب البحرية.
وفي تصريح خاص لـ “الحرية”، أوضح الدكتور هيثم ديب، مدير الحماية والاستثمار في المؤسسة العامة للأسماك، أن مراقبة الصيد المخالف في المياه البحرية، من مهام المديرية العامة للموانئ، وقد تمت مخاطبتهم سابقاً بوسائل الصيد المسموح استخدامها في المياه البحرية، والوسائل الممنوعة وفترات منع الصيد المطبقة، كما تم عقد الاجتماعات بهذا الخصوص، إلا أن غياب جهاز خاص بمراقبة وضبط عمليات الصيد لدى المديرية العامة للموانئ، يؤدي إلى مثل تلك الممارسات المخالفة التي تؤدي لاستنزاف الثروة السمكية.
وأضاف: فيما تعمل المؤسسة من جانبها وعلى مدار الساعة وبالإمكانات المتاحة، لمراقبة عمليات الصيد وضبط المخالفات فيها، وقد تم ضبط عدد كبير من المخالفات منذ بداية العام في كل من المحافظات (حماة، حمص، إدلب، دير الزور، اللاذقية)، وضبط المخالفين وإحالتهم إلى القضاء، إضافة إلى مصادرة وسائل الصيد وحصيلته.
عمل جوهري..
وتحدث ديب عن التسهيلات المقدمة للصيادين، إذ تعمل المؤسسة من خلال فروعها في المحافظات، على متابعة عمليات الصيد ومنع وقوع التعديات على الثروة السمكية وحمايتها، وهذا يشكل عملاً جوهرياً لزيادة كميات الأسماك لاحقاً، ويعود بالفائدة على جميع الإخوة الصيادين العاملين في تلك المسطحات، كما تعمل المؤسسة حالياً على المساهمة في إقامة جمعيات للصيادين بعد معالجة موضوع ترخيص المراكب، وتعمل على مخاطبة الجهات المانحة الدولية والمحلية لتقديم الدعم للصيادين والإخوة أصحاب المزارع السمكية، بما يعزز قدراتهم وتمكينهم من تحسين مستوى المعيشة لهم ولأسرهم.
دور رقابي
أما بالنسبة للدور الرقابي فإن ذلك بحسب ديب، من المهام الأساسية لعناصر الحماية التابعة للمؤسسة، وهو لا يقف عند مراقبة عمليات الصيد في المسطحات المائية، بل يتعداه إلى مراقبة ساحات ومحلات بيع الأسماك ووسائط النقل الخاصة بها، وتتم عمليات المراقبة بالتعاون مع الجهات المعنية (مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك والقوى الأمنية في كل محافظة).
تمهيداً لمنحها
ورداً على سؤال ما هي آلية منح رخص الصيد للمراكب البحرية، ذكر ديب أن المديرية العامة للموانئ حالياً هي المسؤولة عن الأمور المالية والانضباطية والإدارية لعمليات الصيد البحري، وبالتالي فإن مسؤولية منح التراخيص تعود لها، أما في المياه الداخلية، فإن المؤسسة تعمل على تسجيل كل المراكب العاملة في تلك المسطحات تمهيداً لمنحها رخص الصيد المطلوبة، بعد استكمال الأوراق الثبوتية الخاصة بذلك.
جمعيات الصيادين
رئيس جمعية الصيادين في اللاذقية نبيل فحام، في تصريحه لـ “الحرية” أشار إلى أن هناك تحسناً نسبياً في الحد من مراكب الجرف القاعي، والتي كانت تمثل تهديداً مباشراً للثروة السمكية، لكنه حذر من استمرار الجرف الشاطئي عبر قوارب صغيرة باستخدام أدوات ممنوعة مثل “الجاروفة”.
هناك تقدم
وتابع فحام: تقوم هيئة المنافذ البحرية والبرية بمتابعة هذه المخالفات، ما أدى إلى تقلص الحالات المخالفة، وعلى الرغم من وجود مخالفات في مسافات بعيدة لا يمكن حصرها، على سبيل المثال المسافة من رأس البسيط حتى برج إسلام – ومن برج إسلام حتى رأس ابن هانئ، إلا أن هذه التجاوزات تقلصت إلى ما دون النصف عن سابق عهدها، وذلك بالمتابعة الحثيثة من قبل عناصر المنافذ على تلك المسافات المفتوحة.
لم تكن قانوناً
ودعا فحام الصيادين إلى الالتزام الكامل بفترات منع الصيد خاصة في مواسم التزاوج والتكاثر.. وتمنى من الصيادين المخالفين، عندما التمسوا السماحة لهم بالعمل بوسائل صيدهم المخالفة لبعض الوقت، أن يدركوا أن تلك السماحة لم تكن قانوناً وإنما لقمع الظاهرة تدريجياً لكيلا يقطع باب رزقهم.
وأشار إلى أن الصعوبات التي يعاني منها الصيادون، وجود بعض الفقرات التي يجب تعديلها بما يراعي الواقع العملي، مثل السماح المؤقت باستخدام شبكات ذات فتحات معينة لصيد أنواع محددة لا يمكن اصطيادها بغيرها.
بؤر المخالفات
من جهته أكد رئيس جمعية صيادي جبلة سميح كوبش، في تصريحه لـ”الحرية” أن القسم الأكبر من التجاوزات يتم عبر “مراسي” غير رسمية مثل مرسى القصب وسوكاس والمنطار، داعياً إلى حصر عمليات الصيد بالموانئ الرسمية الخاضعة للرقابة.
اختلال بالبيئة
وأضاف: إن نحو 1800 مركب في الساحل، لا يعمل منها فعلياً سوى 500، بسبب هيمنة أصحاب وسائل الصيد الجائر على المشهد، ما أحدث اختلالاً في بيئة العمل وأجبر كثيرين على التوقف أو المخالفة.
ولفت كوبش إلى أن الصيد الجائر توقف رسمياً، لكن هناك محاولات لشرعنته بطرق غير مباشرة، مؤكداً أن وعي الجمعيات، وتغطية الإعلام، واستجابة الجهات المسؤولة مؤخراً، أسهمت في الحد من هذه المحاولات.
نحو توازن مستدام
في خضم هذا الواقع المتشابك، يبقى تحقيق العدالة البيئية والمعيشية مسؤولية جماعية، فالحفاظ على الثروة السمكية ليس ترفاً بيئياً، بل ضرورة لحماية مصدر رزق آلاف العائلات، وهو ما يتطلب تشريعات واضحة، ورقابة فعالة، وتعاوناً صادقاً بين الدولة والصيادين.
فالبحر ليس مجرد مورد، بل شريان حياة، ويستحق أن يحمى، تماماً كما يستحق الصياد أن ينصف.