من الهواية إلى الاحتراف.. انتشار لظاهرة ” عروض الأزياء عبر منصات التواصل الاجتماعي

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – بشرى سمير:

شهدت سوريا خلال السنوات القليلة الماضية انتشاراً ملحوظاً لظاهرة “الفاشينييتا” أو مؤثرات الموضة وعارضات الأزياء عبر منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة الإنستغرام.
هذه الظاهرة تعكس تحولاً في مفهوم عرض الأزياء والتسويق، وتأثيراً كبيراً على الشباب عموماً والفتيات خصوصاً في مجتمع يمر بتحولات اجتماعية واقتصادية عميقة.
ترى الشابة مرام المحمود (20 سنة) عارضة أزياء أن العمل هدفه تأمين دخل لها يساعدها في مصاريف الجامعة، وأشارت إلى أن الموضوع بدا كهواية ثم تحول إلى مصدر دخل من خلال التعاون مع ماركات محلية أو عبر التسويق بالعمولة.

خبيرة اجتماعية: الجري وراء الشهرة محفوف بالمخاطر

ربح سريع

من جهته مازن الخضير خبير في التسويق أشار إلى أن انتشار هذه الظاهرة يعود إلى عدة عوامل، أبرزها الإغراء المادي السريع الذي توفره هذه الوظيفة في عالم يشهد تحولاً رقمياً متسارعاً: فمن خلال حساب على إنستغرام أو تيك توك أو يوتيوب، يمكن لعارضة أزياء ناشئة أن تجني دخلاً يفوق ما قد تحصل عليه في وظيفة تقليدية بعد تخرجها، وذلك من خلال التعاون مع العلامات التجارية والإعلانات المدفوعة.
كما أن طبيعة هذا العمل توفر للكثيرات شعوراً بالاستقلالية والحرية في إدارة الوقت، بعيداً عن قيود الوظائف المكتبية التقليدية.
بالإضافة إلى الشهرة والانتشار الذي يأتي كمنتج ثانوي لهذا العمل، والذي يعد دافعاً نفسياً قوياً للكثيرين في عصر يسود المشاهير.

ريادة الأعمال النسائية

تمثل هذه الظاهرة (برأي الخضير) شكلاً من أشكال ريادة الأعمال النسائية، إذ تمكن الفتيات من بناء علامة شخصية وتحقيق استقلالية مالية نسبية في مجتمع توجد فيه حواجز تقليدية أمام عمل المرأة.
ولفت إلى أنه من خلال هؤلاء الفتيات يتم الترويج للصناعة المحلية وتسهم عارضات الأزياء عبر الإنستغرام في الترويج للمصممين والمحلات السورية المحلية، ما يدعم الاقتصاد المحلي ويشجع على الإبداع في مجال تصميم الأزياء.

مساحة للإبداع والتعبير

وأضاف: إن هناك الكثير من مصممات الأزياء وجدن في مواقع التواصل منصة ومساحة للإبداع والتعبير عن الذات من خلال الأسلوب الشخصي في تصميم واختيار وتنسيق الأزياء، وقد تطورت ظاهرة الفاشينييتا في سوريا من مجرد هواية إلى نشاط تجاري حقيقي بدرجات متفاوتة من المستوى الهاوي، إذ تحتفظ فيه الفتاة بالنشاط كهواية تعبيرية دون توقع مردود مادي إلى المستوى شبه المهني، حيث تبدأ فيه الفتاة بالحصول على عروض تعاون مقابل منتجات أو مبالغ رمزية.

علامة تجارية

لتصل إلى المستوى التجاري المحترف، يضيف الخضير، وخاصة مع وجود أعداد كبيرة من المتابعين قد يصل إلى الملايين أحياناً، وهنا تصبح العارضة علامة تجارية قادرة على تحقيق دخل منتظم من خلال عقود رعاية مع ماركات محلية ودولية أو التسويق بالعمولة آو قد تعمل على بيع منتجات خاصة بها وتنظيم ورش عمل في مجال الموضة والتجميل.
وأشار الخضير إلى أن ممارسة هذه الظاهرة في سوريا تختلف عن غيرها من البلدان بسبب التحديات التقنية المتعلقة بالكهرباء وضعف الإنترنت.

مشاكل في تقدير الذات

من جهتها الباحثة الاجتماعية سوسن السهلي ترى أن هذه الظاهرة تبرز معايير جمالية غير واقعية أحياناً، ما قد يؤدي إلى مشاكل في تقدير الذات واضطرابات في صورة الجسد بين الفتيات، وخاصة المراهقات.
لافتة إلى أن هذه الظاهرة قد تودي بالفتيات إلى الإنفاق المفرط على الملابس والإكسسوارات لمجاراة الموضة، في وقت تعاني فيه الأسر السورية من ضغوط اقتصادية شديدة والمنافسة الشرسة نتيجة السعي الدائم لتحقيق التفاعل والمتابعات، حيث تغص المنصات بملايين المنشئين للمحتوى.

خطر الاستغلال

إضافة إلى تعريض الفتيات العارضات للمخاطر في بيئة غير مستقرة، أو للاستغلال من قبل جهات مختلفة.
وأشارت إلى أن من أهم المقومات المطلوبة للنجاح هي قوة الشخصية والثقة بالنفس على المنصة وأمام الكاميرا، ولكن دون غرور، والقدرة على تمثيل ذاتها والعلامة التجارية التي تروج لها، إضافة الى ضرورة امتلاك بناء شبكة علاقات جيدة في المجال (وكلاء، مصممون، مصورون، عارضون آخرون). التواصل الواضح أساسي للتفاوض على العقود وفهم متطلبات العمل وفهم أن العارضة هي علامة تجارية شخصية ولديها القدرة على اختيار الوظائف المناسبة، والتفاوض على الأجور، وإدارة الشؤون المالية بشكل ذكي وأن يكون لديها الشغف والمثابرة والحب الحقيقي للموضة والفن، والرغبة في التعلم المستمر، والصبر لبناء مهنة تدوم وليست مجرد ومضة من خلال متابعة عروض الأزياء، معرفة المصممين والمصورين المهمين، وفهم اتجاهات السوق.

الاحتراف والمرونة

وأضافت السهلي: الناجحات في عالم عروض الأزياء اليوم لسن فقط وجوهاً جميلة، بل هن محترفات ذكيات ومنضبطات ومرنات.. المقومات الجسدية هي البوابة، ولكن المهارات الشخصية والعقلية القوية والذكاء العملي هي ما يصنع مسيرة مهنية طويلة ومستدامة في هذا العالم التنافسي الشديد.

الجري وراء بريق الشهرة

وحذرت السهلي الفتيات من الجري وراء بريق هذا العالم المشهور، وخاصة عندما يقترن هذا المسار بترك الدراسة الجامعية. فالتعليم الجامعي لا يوفر المعرفة المتخصصة فحسب، بل يطور المهارات التحليلية والنقدية والقدرة على حل المشكلات المعقدة وهي مهارات تبقى مع الفرد مدى الحياة وتؤهله لمواجهة تقلبات سوق العمل.

تقلب الشهرة

وأوضحت أن مسار عارضات الأزياء على وسائل التواصل الاجتماعي يتسم بعدم الاستقرار وعدم الضمان. فشهرة المنصات الرقمية متقلبة، وتفضيلات الجمهور سريعة التغير، ما يجعل هذا المسار المهني محفوفاً بالمخاطر على المدى الطويل. في المقابل، يوفر التعليم الجامعي أساساً متيناً يمكن البناء عليه طوال الحياة المهنية والخيار الأمثل للكثيرات قد يكون الجمع بين إكمال الدراسة الجامعية وتطوير مهارات العرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي كعمل جانبي أو هواية قد تتطور لتصبح مهنة لاحقاً. بهذه الطريقة، يتم الحفاظ على خيارات مستقبلية مفتوحة مع الاستفادة من الفرص الحالية.
وأنهت السهلي حديثها بالقول: سعي الفتيات للربح السريع عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مجالات الأزياء والتجميل، يمثل ظاهرة عصرية تعكس قدرة الشباب على التكيف مع التحولات الرقمية واستثمارها. وهو في جوهره تعبير عن روح المبادرة والإبداع، لكنه يحتاج إلى وعي وتخطيط لتحويله من مجرد سعي لربح سريع قد يكون عابراً إلى مشاريع مستدامة تحقق الاكتفاء المالي مع الحفاظ على التوازن النفسي والاجتماعي. فالنجاح الحقيقي لا يقاس فقط بالمكاسب المالية السريعة، بل بقدرة هذه المشاريع على الاستمرار والتطور مع الحفاظ على كرامة العاملات فيها وصحتهن النفسية.

Leave a Comment
آخر الأخبار