عاشق ويعيد .. الغيمة الخامسة في سماء عبد الكريم العفيدلي

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – علي فرحان الدندح:

«ناجح ويعيد» لا تعني شيئاً محدداً في حد ذاتها، وقد تكون جزءاً من عبارة أطول أو تعبيراً عن فكرة معينة بحسب السياق، «ناجح» تعني تحقيق هدف أو نتيجة إيجابية، و«يعيد» قد تعني التكرار أو الاستعادة، وفي هذا السياق استطاع الشاعر الصحافي عبد الكريم العفيدلي أن يشتق لمدونته الشعرية الخامسة عنواناً يؤكد فعل المنجز الأدبي الناجح، على حد تعبيره، دون قصد القياس أو الخروج عن المألوف الذي عوّدنا عليه بالبساطة والجدية والحرفنة البكر.

ديوان خامس يفتح أبواب الغيم الشعري..

الشعر لا يحتاج إلى نياشين تُعلّق على صدره، ولا إلى شهادة مدرسية ليقول: أنا مبدع وللشعر أناسه، بأكثر من ميل ورغبة، فهو ليس عملية تأليف مستطردة، بل موهبة، إلى حد أن شاعره لا يدري كيف توصل إلى قوله. وقد يكون هذا الشاعر حاملاً لمعرفة أو دونها، لكنه يمتلك تلقائية فطرية، فتنوع المعارف والقدرات هنا مكتسبات مدهشة، وهو استلهام فطري عام ناوشه العفيدلي في ديوانه الخامس «عاشق ويعيد»، الذي استوحيت تعابيره بلغة أوسع من حجمها، أُخرجت من قالبها القاعدي لفظاً وجملة إلى مجازات عوالم باطنية، كتب مواضيعه من خلال تجارب خاصة أراد بها التعبير عن الراهن العام، وكأنه اختصر رواية كاملة في ديوان شعر، ليس من باب اللغة فحسب، بل من أس التشخيص المجهري للجرح العام.
في هذا الديوان المتطبع بعنوانه «عاشق ويعيد»، أراد الشاعر عبر محتوى دفتي غلافه التواصل مع القارئ انجذاباً، ضمن أنساق تتفاعل فيها اللغة واللون والحركة والقصد العام، تمثل اللوحة عتبة أولى وأيقونة واضحة في شريط العلامات التعبيرية، فهي تمثيل للمكتوب ونقله إلى صورة، سواء كانت لوحة غلاف لعمل كامل أو لوحة داخلية لنص محدد، ومن خلال المطر وورق الخريف والمظلة السوداء والطريق المبهم وإعطاء الظهر دون إيضاح ملامح الوجه، بدا العاشق وكأنه نجح في تجربته الأولى وراح يكررها دون الالتفات إلى مقولة «وما الحب إلا للحبيب الأول»، مع العلم أن العنوان جامع لكل النصوص ولم ينفرد بأطول نص في الديوان، إذ لا يظهر هذا العاشق إلا مرة واحدة على الغلاف.
ثم تدخل دمشق من خلال النص «الفاتحة»، لتقرأ نصاً نَبطياً ترجمه العفيدلي وألبسه حلة وزينة، وصل عبره خرائط الشعر العربي في “دولة واحدة”، هي ثقافة الإنسان العربي الحامل همّ الثقافة والتراث والبعد التاريخي للمنازل الأولى.

التفعيلة بين الإيقاع والخيال في تجربة العفيدلي

قصائد مرهفة الحس، تتناسج وحداتها عناوين ونصوصاً بحضور سرد شعري، تلعب فيه اللغة على أفق إيحائي، له اشتغاله في إطار قصيدة التفعيلة التي بدأها العفيدلي المشبع إيقاعاً ونظماً ووزناً، وقد أخذت أكثر من نصف مساحة الديوان، يستحضر فيها مواقف تحفها ذاكرة عميقة ووجد طافح، منذ قوله: «عيناه غائمتان.. يداه ملونتان بالحب.. تتراقص الحمامات مفصولة الرأس»، إلى أن ختم النصف التفعيلي الثاني بقوله: «تتنازع الأرواح صوتي.. ما عاد في لغتي سلام».

لغة مجازية تستحضر الذاكرة والوجدان..

إنها لغة ديوان يعيش حلمه المتخيل، بحروف نابضة وإيقاع هورموني يعتمد نقرات موسيقية وخلفيات بيئية، لشاعر يوازن بين ما هو طبيعي وما هو مكتسب، يستلهم بنية نص طلق ويفعل تأملات منفتحة على مجالات القول الشعري بحس رقيق. ولنا أمثلة تثبت هذا الثراء الموسع: «الطريق إلى ظل أمي»، «قد عرفتني من بين صمت الجموع»، «نزف البلاد»، «الرسائل المالحة إلى صلاة»، و«وهج الغياب».
إنه انبعاث متجدد لما هو مأمول، تفتقه أدوات استعارة تجريدية اندفاعاً وانجذاباً نحو أي انفراج، هذه اللغة استطاعت أن تتداول مع شاعرها حركية الترويض والتروض لتعابير لحظات شعرية وهيام مشاعر، فجعلت المجموعة الشعرية ترطب غيم مائها، وتفتح العوالم الباطنية للشاعر والمتلقي ولكل «عاشق ويعيد».

Leave a Comment
آخر الأخبار