الحرية- عمران محفوض:
ليست جردة حساب، ولا سردية إحصائية لجملة من البيانات والأرقام التي حققتها الحكومة السورية الجديدة خلال السنة الأولى لما بعد التحرير، بل هي مؤشرات اقتصادية وسياسية أولية مهمة لبداية مرحلة التعافي والإصلاح المؤسساتي والتشريعي وفق استراتيجية شاملة تمتد لسنوات قادمة، ولذلك لا يمكن عدّ السنة العابرة سوى عام التأسيس والتعافي لسوريا الجديدة.
لا أحد على وجه البسيطة يستطيع أن ينكر للحكومة السورية جهودها المميزة في إعادة توجيه بوصلة الاقتصاد ورفعه من مستوى الانهيار والحصار والفشل والفساد إلى مراتب الانتعاش والاستثمار، وإعادة التعامل الاقتصادي مع جميع دول العالم ممثلاً بهيئاته ومؤسساته وأسواقه المالية والتجارية.
ولتوضيح معنى الكلمة المسرودة؛ وتفسير محتوى الفكرة المنسوجة؛ لا بد من ذكر بعض المعلومات المتوافرة نقلاً عن تقارير دولية لواقع الاقتصاد المأساوي في سوريا قبل عام 2024، والتي تشير إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بحدود 90%، بسبب العقوبات، والحرب والفساد وتراجع الإنتاج، وتدني القوة الشرائية لمعظم المواطنين، وما رافق ذلك من زيادات معدلات التضخم، وانخفاض حاد في قيمة الليرة السورية من حوالي 50 ليرة مقابل الدولار عام 2010، إلى ما يقرب من الـ 16000 ليرة لكل دولار عشية إسقاط النظام البائد، بالإضافة إلى ذلك تعرض قطاع النفط والغاز، الذي كان يمثل مصدر كبير لإيرادات الخزينة العامة للدولة، لضربات موجعة، وانخفض إنتاج حقول النفط من 383 ألف برميل يومياً في 2011 إلى نحو 10 آلاف برميل يومياً في 2023، وحدث الأمر نفسه مع القطاع الرئيسي الثاني، الزراعة، والتي شكلت قبل الحرب 20 – 25% من الناتج المحلي الإجمالي، إذ كانت سوريا مكتفية ذاتياً من القمح، وتصدّر القطن، لتصبح سوريا واحدة من أفقر اقتصادات الشرق الأوسط، إن لم يكن أفقرها على الإطلاق.
هذه الإحصائيات الجزئية رغم قساوتها لم تشكل عائقاً أمام الحكومة السورية في مسيرة البناء والإصلاح منذ اليوم الأول للتحرير بل كانت محفزة لها لتحقيق نقلة نوعية نحو تحسين الواقع على الصعد كافة؛ عبر رحلات مكوكية لتحطيم جناحي العقوبات الأوروبي _ الأميركي فكان لها ماسعت إليه كرمى لعيون الشعب العربي السوري، وفي الوقت ذاته عينيها على تحسين مستوى معيشة المواطنين فبدأت بتعديل قانون الاستثمار ما شجع بعض الشركات على المجيء إلى سوريا، وتوقيع عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم تتضمن تنفيذ مشروعات تنموية وخدمية مهمة لإنشاء مطار جديد ومترو أنفاق وأبراج ومول في دمشق، وإقامة محطات لتوليد الكهرباء وإعادة تأهيل واستثمار المعامل والمرافئ.. وغيرها.
وانتقلت الحكومة بعد ذلك إلى الشق الأهم والأكثر استعصاء على مدى عقود من الزمن ألا وهو الراتب المتهالك إلى حدّ “العدم” فتم رفعه بمعدل 200 % لأول مرة في تاريخ الوظيفة العامة ليتجاوز سقف الـ100 دولار حالياً بعد أن كان راتب الموظف بحدود 20 دولاراً شهرياً حتى نهاية عام 2024، إضافة إلى وعود رسمية بمضاعفة الرواتب ليبلغ أكثر من 300 دولاراً خلال العام المقبل.
ولا ننسى في هذه السردية المبشرة بالخير لما بعد التحرير الإشارة إلى أن الحكومة السورية بذلت قصارى جهدها للحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار، وضبط الأمن، وعملت على منع انهيار مؤسسات الدولة خلال المرحلة الانتقالية، بالإضافة إلى تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين.
وما عودة سوريا إلى عمقها الإقليمي والعربي، وإلى الأمم المتحدة والمنظمات المالية الدولية، ونظام “سويفت” للتعاملات المالية الإلكترونية الدولية، وتعليق قانون “قيصر”، وإلغاء الاتحاد الأوروبي لعقوباته على سوريا إلا بعضاً من منجزات الدبلوماسية الوطنية خلال 2025، والتي من المتوقع أن تترسخ وتزداد عمقاً ونضوجاً خلال العام القادم، خاصة بعد زيارة ممثلي الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي لأول مرة إلى البلاد الخميس الماضي، وما سيتبعها من قرارات أممية متوقعة لدعم الاستقرار التام، وتحقيق التنمية والإصلاح المؤسساتي الشامل على الصعد كافة.