“عام التحرير” فتح أبواب الحرية.. مكاسب سياسية وتحديات اقتصادية

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- رشا عيسى:

بعد عام على انطلاق سوريا الجديدة وسقوط نظام الأسد، طبع لقب عام التحرير على العام 2025 بكل تفاصيله، والسؤال المطروح هنا، ما هي الخطوات التي قطعتها البلاد على طريق النهوض؟ وماذا يحتاج الواقع السوري لتعزيز أركان التحرير وتحقيق نهوض مستدام؟
في تحليل مفصل، يجيب الخبير في الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية والإدارية الدكتور هشام الخياط على هذه الأسئلة مقدماً قراءة للواقع بعد عام من التحرير.

مكاسب سياسية

يؤكد الدكتور الخياط لـ”الحرية” أن عام 2025 كان بالفعل عام تحرير سياسي وأمني، لكنه لم يصل بعد إلى التحرير الاقتصادي والاجتماعي المنشود. فسقوط النظام السابق فتح أبواب الحرية، وأعاد سوريا إلى الجامعة العربية، وشهد رفع معظم العقوبات الدولية، ما سمح بعودة أكثر من 1.2 مليون لاجئ.
هذه خطوات حقيقية نحو التحرير، لكنها تبقى بحاجة إلى تعزيز لتصبح مستدامة.
على الصعيد الاقتصادي، لا يزال النمو لا يتجاوز 1%، ويعيش 90% من السكان تحت خط الفقر، ما يشير إلى أن تحقيق التحرير الاقتصادي والاجتماعي لا يزال في بدايته وينتظر وقتاً ليس بقصير.

تحسن في الخدمات واستقرار نسبي للأسعار

وعلى الرغم من التحديات، شهدت بعض مؤشرات الخدمات تحسناً واضحاً، وهي خطوات ضرورية رغم عدم كفايتها، كما يوضح الدكتور الخياط. فقد ارتفعت ساعات الكهرباء من ساعتين إلى ثماني ساعات يومياً، بفضل استثمارات خليجية. كما أدت المنافسة في الأسواق إلى إنهاء الاحتكار “المافيوي” الذي كان يمارسه التجار المرتبطون بالنظام الساقط، ما ساهم في الحفاظ على توازن سعر الصرف عند نحو 11 ألف ليرة للدولار، وأدى إلى انخفاض أسعار بعض المنتجات الأساسية بنسبة 10-15%. وانخفض التضخم إلى 57%، وهي إنجازات تُعد شرطاً لازماً للاستقرار، لكنها غير كافية لمواجهة تكلفة معيشة مرتفعة لعائلة متوسطة.

تحديات الفساد

يبين الدكتور الخياط أن تأجيل إصلاحات جوهرية مثل تغيير العملة أو إنشاء صندوق سيادي يثير التساؤلات. كما أن الاستثمارات الخليجية، التي بلغت 28 مليار دولار، تركز بشكل كبير على المشاريع سريعة الربح كالعقارات، بدلاً من الاستثمار في الإنتاج المستدام. وتستمر العقوبات المتبقية في منع الشركات الغربية من الدخول، بينما يعيد الفساد في العقود إنتاج “نموذج المحاصصة القديم”، ما يعيق تدفق استثمارات أكبر.

الجهاز الإداري وهجرة الأدمغة

يشير الدكتور الخياط إلى أن الجهاز الإداري السوري يعاني من ضعف في الخبرات ما أدى إلى غياب جهاز تنفيذي قادر على إدارة الإصلاحات المعقدة. هذا النهج زاد من هجرة الأدمغة، حيث يعيش 6 ملايين “سوري ماهر” في المهجر.

جهود أولية ومخاطر قائمة

لم تتهيأ البيئة الاستثمارية بعد بشكل كامل، رغم الجهود الأولية المبذولة، بحسب تحليل الخياط. فرفع 60% من العقوبات فتح الباب أمام بعض الفرص، لكن الغموض يجعل الاستثمار “عالي المخاطر”. كما انخفض إنتاج الزراعة، التي كانت أولوية قبل الحرب، بنسبة 50% بسبب الجفاف وعدم الدعم الكافي. ولتهيئة البيئة بشكل فعال يرى الخياط ضرورة إصدار قانون استثمار يضمن الشفافية، وتقديم حوافز للمشاريع الإنتاجية في المناطق الريفية، مع رقابة مستقلة وفعالة على الصناديق.

دعوة ملحة لاستراتيجية شاملة

يؤكد الدكتور الخياط أن سوريا بحاجة ماسة إلى استراتيجية انتقالية لخمس سنوات تركز على عوامل النهوض الحقيقية، ويجب أن تتضمن الاستراتيجية تهيئة بيئة استثمارية شفافة، وبناء قدرات بشرية من خلال تدريب 100 ألف شاب، والاستفادة من السوريين في المهجر عبر برنامج “دياسبورا 2030” لجذب 500 ألف خبير ومستثمر. كما يجب استكمال التحول التقاني بنشر شبكات G5 وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الزراعة والصحة، مع تنمية متوازنة تشمل كامل مساحة سوريا، من الغرب إلى الشرق، لتجنب التركيز الحضري.

مفترق طرق بين الانكماش والنهوض

يرسم الدكتور الخياط سيناريوهين لمستقبل سوريا، الأول: سيناريو الانكماش، إذا استمرت الضبابية وعدم الاستفادة من الكفاءات، قد ينكمش الاقتصاد 2% في 2026، مع نزوح إضافي وفقر يتجاوز 92%.
الثاني، سيناريو النهوض: أي إذا نفذت استراتيجية ثاقبة وشاملة، فيمكن تحقيق نمو 4-6%، خفض التضخم إلى 20%، وجذب 40 مليار دولار استثمارات، مع اكتفاء غذائي أعلى بنسبة 20%.
الفرق بين السيناريوهين يكمن في الإرادة السياسية والشمولية في التخطيط والتنفيذ.
يرى الدكتور الخياط أن عام 2025 كان خطوة أولى على طريق طويل، وليس الوجهة النهائية. فالشعب السوري، داخل البلاد وفي المهجر، يمثل الرصيد الأكبر للنهوض. وإذا ما استغلت قدراتهم، فإن العام القادم يمكن أن يكون عام النهوض الحقيقي المستدام.

 

Leave a Comment
آخر الأخبار