الحرية – نهلة أبو تك:
في عمق الساحل السوري، وعلى ارتفاع يقارب الألف متر فوق سطح البحر، تقع قرية عرامو، إحدى قرى محافظة اللاذقية التي تمتاز بجمال طبيعي لافت وعمق تاريخي ممتد عبر القرون. تتمتع القرية بموقع فريد يتيح إطلالة بانورامية على البحر غرباً، بينما تحدها من الشرق قمم جبلي النبي يونس والنبي متّى، ما يمنحها طابعاً بيئياً وجغرافياً نادراً ضمن المنطقة.
عرامو التي تتبع إدارياً لناحية صلنفة في منطقة الحفة، وتبعد نحو تسعة كيلومترات عن بلدة صلنفة، و45 كيلومتراً عن مدينة اللاذقية، وتُعدّ من القرى سهلة الوصول عبر شبكة طرق تمر بالحفة وعدد من القرى الغنية بالمواقع الطبيعية والتاريخية، هذا الموقع، إلى جانب تنوعها البيئي، جعل منها وجهة بارزة لمن يبحثون عن الهدوء والهوية الريفية الأصيلة.
تاريخ عريق
اشتهرت عرامو بلقب “معلولا الساحل” و”قرية العيون السبع، والسبع غابات”، وهما تسميتان تعكسان بدقة خصائصها الجغرافية والبيئية. فالقرية المحاطة بغابات كثيفة من الأرز والصنوبر والسنديان، وينبع من أرضها عدد من عيون المياه العذبة التي تغذي الأراضي الزراعية وتشكّل مورداً طبيعياً دائماً للسكان المحليين، جعلت منها حكاية تُروى للأجيال، لأن جمال الطبيعة في عرامو لا ينفصل عن تاريخها العريق.
فهي قرية ذات طابع حضاري مميز، تحتضن العديد من الكنائس والأديرة والمواقع الأثرية التي توثق أزمنة مختلفة من تاريخ سوريا. ويؤكد الباحث في الآثار الدكتور جمال حيدر، في حديثه لصحيفتنا الحرية، أن عرامو تضم إرثاً أثرياً فريداً، من أبرز معالمه كنيسة القديس استيفانوس التابعة للطائفة الأرمنية الأرثوذكسية، والتي شُيدت عام 1267 ميلادي، هذا البناء التاريخي لا يزال قائماً، شاهداً على فترة استقرار الأرمن في القرية منذ أيام الإمبراطور ديكران الكبير.
إلى جانبها، يقع دير السيدة مريم العذراء شمال القرية، والذي يعود إلى أوائل القرن العشرين، كما تضم عرامو دير مار جرجس المعروف باسم “مقام الخضر”، ويُعد مزاراً مشتركاً يرتاده المسلمون والمسيحيون، إضافة إلى دير توما، المُسجل رسمياً منذ عام 1956 كمعلم أثري ومعماري، هذه المعالم تعكس مزيجاً من التقاليد الدينية والتاريخية، وتشير إلى دور عرامو كمركز روحي وثقافي عبر أزمنة متتالية.
ويؤكد حيدر أن الحضور التاريخي لعرامو لا يقتصر على المعالم الدينية، بل تمتد آثار القرية إلى فترات أقدم، حيث تنتشر في محيطها بقايا رومانية وبيزنطية تدل على ازدهار الحياة الرهبانية والعمرانية فيها، إضافة إلى برج الحنبوشية الذي يعود تاريخه إلى عام 1347، وقلعة كباس بن حنظل في منطقة القليعة، وقلعة الحرشة المعروفة محلياً باسم “رجمة الزرقا”.
كما يشير حيدر إلى أن بعض المصادر التاريخية ترجّح أن الفينيقيين شيّدوا عرامو على أطراف مملكتهم الشرقية، وهو ما يُفسّر غناها الثقافي وتعدد المرجعيات الحضارية التي مرت بها عبر العصور.
الطبيعة… روح عرامو المتجددة..
تلعب الطبيعة في عرامو دوراً رئيسياً في تكوين هويتها، ففي قرية استربة المجاورة، تتناثر غابات الأرز، وتمتد المساحات المغطاة بأشجار الصنوبر والسنديان، لتشكل بيئة غنية بالتنوع الحيوي، مياه العيون العذبة المتدفقة في قرى قشبة وأوبين وعرامو نفسها، تمنح المكان طابعه الريفي الجميل.
كما تُعرف المنطقة بظاهرة جغرافية مميزة تُدعى “شق عرامو”، وهو شق طبيعي يمتد وسط الصخور، وتحيط به روايات شعبية وأساطير محلية لا تزال تُروى بين اهالي القرية.
دعوة لاستثمار سياحي ريفي..
ورغم ما تتمتع به من مقومات طبيعية وتاريخية نادرة، لا تزال عرامو بعيدة عن دائرة الاستثمار السياحي، رغم تزايد الاهتمام بالقرى الجبلية في سوريا كوجهة للراحة والاستجمام، تبرز الحاجة إلى رؤية تنموية شاملة تضع عرامو في موقعها الذي تستحقه والذي يحافظ على البيئة والهوية الثقافية، وبين تأمين الخدمات اللازمة للزوار، كإقامة مشاريع صغيرة (الضيافة التراثية)… السياحة البيئية… إنشاء تلفريك، وغيرها من عناصر الجذب السياحي، والتي يمكن أن يفتح آفاقاً حقيقية لتطوير السياحة الريفية، ويُسهم في دعم الاقتصاد المحلي والمحافظة على الطابع الريفي.