عقد مصافحة ومصالحة مع المستقبل

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – ناظم عيد – رئيس التحرير:
ارتسمت فعلياً ملامحُ الأفق الجديد لسورية الدولة، بإعلان دستوري متكامل بلور ملامحَ السيادة الكاملة بكلِّ ما ينطوي عليه مفهوم الدولة من دلالات جامعة محكمة موثقة لا تقبل التأويلَ والتجيير.
حُسم الجدل والاجتهادات والسرديات المختلطة و المتناقضة، وهاهو الرد الحاسم الذي من شأنه أن يملي على كلِّ سوري الالتزامَ بخريطة طريق بناء الدولة الجديدة، ووضعَ نقطة على السطر وطي صفحة كل ما هو ماضٍ، حتى الماضي القريب، مع استثناءات ذات صلة بالعدالة والحقوق التي لا تسقط عادة بالتقادم، فالمشروع اليوم مشروع بناء و اجتهاد في مسارات المستقبل، على قاعدة ما يجمع لا ما يفرّق.
فالدستور في عموم أدبيات الدول في هذا العالم، هو عباءة ضامّة لأ طياف كليّة جامعة شاملة، لا أثوابَ متباينة على قياسات مجتزأة، ودستورنا الجديد ” ولو المؤقت” نابع من الخصوصيّة السورية التي ستكون ميزة عندما نراها جميعاً كذلك، وعلينا أن نراها كذلك، وخصوصية المرحلة الراهنة الصعبة التي يمر بها بلد يكافح وينافح لمعاودة النهوض مجدداً، ويجابه ضروباً كبرى من مقاومة الاستقرار، إن هنا في الداخل أو هناك في الخارج تحت وطأة مصالح متضاربة واضحة تعنيهم ولا تعني أيَّ سوري.

اليوم ليس كما الأمس، لأننا أمام استحقاقات أفعال لا أقوال، وحتمية انشغال جميع السوريين .. دولةً ومؤسساتٍ وأفراداً، بورشة البناء الفعّال والخلّاق لسوريا الغد، التي ستكون أقوى وأجمل بهمّة كلِّ السوريين.
علينا جميعاً أن ننزع الخوف من قلوبنا لأن الإعلان الدستوري ضامن لأمن الجميع، ونبدد القلق من أذهاننا لأننا أمام نصوص راسخة تضمن الاستقرار، ونحطم هواجس التقسيم لأننا توافقنا على وحدة أرض سوريا، ونستعد لالتقاط فرص العمل والاستثمار والنماء، لأن بين أيدينا أساساً متيناً لصياغة القواعد التشريعية التي تضمن إطلاق العنان لحراك تنموي اقتصادي واجتماعي – بل مجتمعي – رشيق مرن متماسك في بلد متعطش لتنفس أوكسجين الحياة على أصولها.
للجميع حقوق وعلى الجميع واجبات.. هذه هي روحيّة العقد الاجتماعي كمصطلح تداوله الجميع بكثرة خلال الفترة الماضية، لكن و بما أنه قد أنجز في لبوس دستور، تمسي الكرة في مرمى كلِّ سوري.. فهذه هي مفردات عقدنا الوليد وعلينا جميعاً الالتزام بها، بكل ما في دواخلنا من حب نكنّه لبلدنا.. ملاذنا.. خيارنا.
لنبدأ وفق تراتبية أولويات وطنية سورية خالصة، لنحرق المراحل ولنسابق الزمن للوصول ببلدنا إلى برّ الأمان..
وإن كان الكثير من أولوياتنا يحتاج إلى زمن، فشرط الزمن لا يمكن تجاهله في بناء الدول و هيكلياتها الجديدة، فثمة أولوية ممكنة لا تحتاج إلى إنفاق أموال وبذل مجهود، وهي محاربة خطاب الكراهية وإثارة النعرات والتفرقة، وقد تضمَّن دستورنا الجديد نصاً صريحاً حول ذلك، ونظن أننا سنشهد في الأيام القليلة القادمة إجراءات دولة ضد كلِّ من يصرّ على مثل هذا الخطاب الهدام.
متفائلون من دون حذر.. بأن سورية ستعود لكل السوريين.. ومواردها لكل أبنائها.. وسنثبت أنها بلدٌ رحبٌ لعيشِ وتعايش كلِّ أهلها، و سنسقط التصنيفات البغيضة التي تردنا من الخارج و تصِم هذا البلد بما ليس فيه ويجب ألّا يكون فيه.
سوريا انطلقت بإعلانها الدستوري الجديد نحو مستقبلها المشرق، وهاهي بدأت بالمصافحة الدافئة مع كل مكوناتها بعد حقبة بغيضة كئيبة من الجفاء..

Leave a Comment
آخر الأخبار