على ضوء زيارة البشير لبغداد.. لماذا يفضل العراق خط كركوك- بانياس؟

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – د. رحيم هادي الشمخي:

خطوة «الألف ميل» لإعادة إحياء خط نفط كركوك- بانياس، قد تكون بدأت مع زيارة وزير الطاقة السوري محمد البشير إلى العراق ومباحثاته مع المسؤولين العراقيين التي أفضت مبدئياً إلى تشكيل لجنة فنية مشتركة لدراسة حالة الخط ومدى إمكانية استئناف التصدير عبره، مع مقترح لإشراك استشاري دولي لتحديد صلاحية الأنبوب ومنظومات الضخ وجدوى التأهيل.
رغم توقف هذا الخط منذ 22 عاماً إلا أنه استمر تحت دائرة الضوء، وكان محل مبادرات عدة لإعادة إحيائه لم يُكتب لها النجاح، وصولاً إلى اليوم الذي يبدو فيه أننا أمام توجه جدي لإعادة إحيائه. صحيح أن عقبات كبيرة جداً تبرز، لوجستية وسياسية، إلا أن لا شيء غير قابل للحل أو التوافق للوصول إلى حلول وسط أو تسويات من نوع ما.. والعراق كان دائماً يسعى باتجاه إحياء هذا الخط ، وإذ يتجه العراق اليوم بصورة أكبر نحو تنويع منافذ التصدير للنفط إلا أنه في تركيزه الأكبر يتجه نحو بانياس كمحطة رئيسية.
وكانت منصة الطاقة التخصصية أصدرت مؤخراً تقريراً حول أن العراق يتجه تحو تفعيل خطي نفط مع سوريا «بانياس» ومع لبنان «طرابلس» ضمن إطار خططه لزيادة منافذ التصدير في ظل المساعي الرامية لرفع طاقته الإنتاجية إلى 6 ملايين برميل يومياً، بحلول عام 2029.
وذكر التقرير أن نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة وزير النفط المهندس حيان عبد الغني، استقبل الثلاثاء، وزير الطاقة السوري محمد البشير، لبحث التعاون بين البلدين في مجال النفط والغاز والطاقة.
وأشار عبد الغني إلى أن العراق يسعى لزيادة الطاقات التصديرية من المنافذ الجنوبية، واستئناف التصدير من الأنبوب التركي عبر ميناء جيهان، فضلًا عن دراسة مقترحات التصدير عبر خط بانياس السوري، وخط طرابلس اللبناني.
وأكد الوزير العراقي عمق العلاقات التاريخية التي تربط بلاده مع سوريا، وأهمية استمرارها بما يخدم المصالح الوطنية للبلدين، مشيراً إلى خطط تنويع منافذ تصدير النفط الخام في ظل الزيادة بالطاقات الإنتاجية، وإعطاء مرونة في عمليات التصدير.
ومن جانبه أكد البشير أهمية التعاون الإقليمي مع سوريا لاستعادة عافيتها لا سيما في مجالات الطاقة والنفط والغاز، مشيراً في الوقت نفسه إلى أهمية التعاون في مجال الخط النفطي السوري – العراقي «الذي تعرض لعمليات تخريب» إلى جانب تقادم الأنبوب و«الحاجة الماسة» للتأهيل أو التجديد.
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني التقى البشير حيث تركز المباحثات على تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات خصوصاً الطاقة، والفرص المشتركة المتاحة للمضي بمشاريع الصناعات النفطية والبتروكيماوية على ساحل البحر المتوسط. وقد جدد السوداني وقوف العراق إلى جانب سوريا واستقرارها وسيادتها على أراضيها ورفض أي عدوان عليها.
هذا اللقاء أعطى زخماً أكبر لزيارة البشير وبما يوسع التفاؤل ويدفع باتجاه خطوات لاحقة قريبة على صعيد إحياء خط كركوك- بانياس.
ويبقى السؤال فيما يخص خطة العراق لتنويع منافذ التصدير، يتركز على: لماذا يفضل العراق خط بانياس؟
يجيب الاقتصاديون بحديث مطول عنوانه جيوسياسي يجعل من بانياس المنفذ الأفضل باعتبارها الأقرب مسافة بإطلالة مباشرة وقريبة على الأسواق الأوروبية والأميركية والتي تضمن للعراق تقديم نفطه كنفط تنافسي يمكنه اختراق الكثير من الأسواق وزيادة حصص العراق السوقية وتنويعها وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية من ذلك!
ويمكن لخط بانياس أن يوفر كلفة نقل أرخص مقارنة مع النفط المنقول في مسار بحري طويل عبر قناة السويس، بمقدار 3- 5 دولار كتوفير للعراق عن كل برميل، إضافة لزمن وصول أسرع لشحنات النفط لأوروبا بين 3 – 5 أيام، مقارنة بـ 12 – 16 يوم عبر موانئ التحميل في البصرة.
وبرأي الاقتصاديين فإنه لكي يضمن العراق إحياء خط بانياس وتدفق النفط عبره دون تأثيرات سياسية أو أمنية ويحقق المنفعة الاقتصادية المطلوبة، فإن ذلك يتطلب دراسة جدوى شاملة للمشروع، والحصول على ضمانات دولية أو وساطة من أطراف ثالثة ضامنة لتأمين المشروع عبر تأمين دولي ضد المخاطر السياسية والاقتصادية والأمنية، وإجراء دراسة فنية لمسار آمن مع تصميم محطات الضخ والحماية ضد الأعطال أو التخريب.
ثم ترجمة ذلك على شكل بنود تعاقدية واضحة عبر اتفاق ملزم بين بغداد ودمشق يحدد الملكية والحقوق والرسوم والضمانات وآليات حل النزاعات، بما يحمي تدفقات النفط ويحدد إجراءات تعويضية عند تضرر مصالح أحد الطرفين لعدة أسباب أو أزمات قد تحدث.
ويرى الاقتصاديون أنه بهذه الخطوات يمكن تقليل المخاطر وضمان تشغيل الخط بشكل آمن ومستدام وبما يضمن مصالح البلدين ويحقق الأهداف الاقتصادية والاستراتيجية المطلوبة.

بشكل عام هناك انطباع ايجابي يسود في العراق حالياً لناحية توسيع خطوات التقارب مع سوريا، وهناك اقتناع تام بأنه لا بد من خلق الفرص بين البلدين وليس انتظار حصولها، وأن التطورات المتسارعة في المنطقة الضاغطة على العراق وسوريا لا بد أن تدفعهما باتجاه تفعيل التنسيق والعمل المشترك، وعدم الانتظار، لأن مزيداً من التأخير يعني مزيداً من الخسائر التي ستصل إلى مرحلة لا يمكن تعويضها، ومن هنا يسعى العراق ويركز جهوده باتجاه أفضل العلاقات مع سوريا في جميع المجالات.
كاتب وأكاديمي عراقي

Leave a Comment
آخر الأخبار