عندما تتعافى سوريا.. هل يتنفس العالم الصعداء؟

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

يسرى المصري :

لاتزال الملائكة باسطةً أجنحتها فوق أرض الشام.. هي بِشارة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لأهل الشام.. وهذا يفسر مالم يُفسّر، من اللطف والعناية بهذه البلاد وأهلها رغم كل مامرّ بهم من أزمات.

وبقدر ما يتحقق الأمن والأمان في بلاد الشام، يتحقق الاستقرار في المنطقة.

كلمات من ذهب قيلت حول التغييرات الجديدة في سوريا.. فعلامات السلام والمصالحة الناشئة في سوريا، لا تقدّم الأمل للشعب السوري فحسب، بل تمثّل أيضاً فرصة للأمة العربية و الإسلامية بأكملها.

وسوريا لديها القدرة على أن تصبح نموذجاً للمصالحة يتجاوز الانقسامات السياسية والطائفية، ومن هنا لابد من  اتخاذ إجراءات ملموسة لدعمها.

لقد كان السؤال عن اليوم التالي مصدر قلق دائم للسوريين، حيث حمل الماضي الكثير من الجراح والآلام، أما اليوم فنحن أمام لحظة فارقة، لنثبت أن القادم سيكون أكثر إشراقاً، وإننا قادرون على تجاوز التحديات وإعادة بناء سورية على “أسس صلبة”.

لقد بدأ الرئيس السوري أحمد الشرع مهامّ منصبه بفتح صفحة جديدة في الداخل ومع الخارج، بدءاً من العلاقات الدولية الودية المبنية على الشراكات والتعاون والمصالح المشتركة، حيث أكد هذه الخطوات وزير الخارجية عبر العديد من الزيارات واللقاءات والمشاركات التي توضح السياسة الداخلية والخارجية الجديدة لسوريا، القائمة على تحقيق التنمية والاستقرار والعمل المشترك.

هذا الحراك الدبلوماسي على الصعيدين  العربي والإقليمي رفيع المستوى عبرت عنه برقيات التهنئة والدعم من قادة بارزين، ما يؤكد أن العيون تصبو إلى سوريا.. وأن استقرارها سيفتح المجال أمام اتفاقات وشراكات واستثمارات واسعة في المستقبل القريب.

فخلال أكثر من عقد من الزمن كانت سوريا بسبب سياسات النظام البائد المنغلقة يعتبرها الجوار والإقليم والعالم محور الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، واليوم بعد سقوط نظام الأسد فإن هناك فرصة حقيقية لتغيير جذري، تكسب فيه الدول التي تريد هدوء المنطقة واستقرارها الموقع الجيوسياسي السوري عبر تعزيز هذه الإدارة وفرضها.. في مقابل ما تشكله بعض الدول الأخرى من محاور وتحالفات بناء على مصالحها في استمرار الاستثمار في الفوضى، والمعنية هنا إسرائيل.

لأن الفوضى التي تصنعها إسرائيل وتعتبر الأساس في سياستها لم ولن تقف عند حدود تمددها واحتلالها لأراضٍ سورية، مخالفة كل الأعراف والاتفاقات الدولية.. وإنما ببث أخبار ورسائل تزعم نيّة الولايات المتحدة مقايضة الإدارة الجديدة برفع العقوبات مقابل استقبال أهالٍ من غزة بموجب صفقة التهجير.. وهذا التهجير الذي اعتبرته الإدارة السورية غير أخلاقي.. وعبّرت الإدارة الجديدة عن استنكارها لتهجير أهل غزة، مؤكدة أنها لن تنجح.

فأهل غزة تحملوا العذاب والقتل والدمار خلال سنة ونصف السنة ولم يقبلوا الخروج من أرضهم، و”الدرس الفلسطيني خلال 80 سنة من الصراع هو التمسك بالأرض”، وكان الرد البليغ أنّ “إخراج الناس من أرضهم جريمة كبيرة لا يمكن أن تحدث، ولن تنجح”.

وإنه “ليس من الأخلاق والسياسة إخراج الفلسطينيين من أرضهم”. ولعل في ما أعلنته الإدارة السورية الردّ الواضح حول مزاعم أن تكون سوريا الدولة الثالثة التي تستقبل المهجرين من غزة.

ويأتي هذا في إطار رفض عربي وإسلامي واسع لخطة ترامب الذي أكد أنه يسعى “لشراء غزة وامتلاكها” من أجل إعادة بنائها، ونقل الفلسطينيين منها إلى الأردن ومصر من دون أن يكون لهم حق العودة.

وبانتظار قرارات مهمة من القمة العربية المرتقبة والتي تم تأجيلها إلى الرابع من نيسان القادم.

إن الرئيس الشرع وحكومته الجديدة يدركون أهمية الموقع المتوسط الذي

تتمتع به سوريا، وإن الشراكات الراسخة والشراكات الآخذة بالتطور والاتساع  لا بد أن تستدعي حرص الدول العربية ودول الجوار على أمن سوريا واستقرارها، وبالتالي تقديم الدعم السياسي والأمني والاقتصادي لإنهاء كل ما يهدد الأمن الإقليمي والأمن الوطني في سوريا.

وإنهاء مشروع التقسيم، كما تدرك الإدارة الجديدة أن التوازن في العلاقات العربية  والاقليمية والدولية أمر بالغ الحساسية والأهمية في هذه المرحلة، لذلك جاء الحراك الدبلوماسي متتالياً ولا يترك مجالاً لتصور الاستقطابات، بل تعمدت الإدارة السورية الجديدة تعزيز الانطباع بحصولها على الدعم العربي والإقليمي والدولي في آن معاً.

وعلى الصعيد الداخلي تستمر  الجلسات التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني التي عقدت في عدد من المحافظات السورية على جميع الجغرافيا، حيث نوقشت فيها محاور البناء الدستوري، وإصلاح المؤسسات، والعدالة الانتقالية، وقضايا الحريات، والحياة السياسية، ودور المنظمات الاجتماعية، وشكل النظام السياسي..

وتأتي هذه الجلسات لتأكيد الشرعية الثورية عبر الشرعية الشعبية  التي يرتقبها الشرق والغرب لترسيخ التغييرات الجديدة في سوريا والتي تشكل مرحلة مفصلية من تاريخ سوريا.   ويهدف الحوار إلى الاستماع لآراء المواطنين ومقترحاتهم حول القضايا الوطنية المطروحة، لتحويلها إلى ورشات عمل خلال المؤتمر، بما يضمن تفاعلاً حقيقياً بين مختلف فئات المجتمع، ويعكس إرادتهم.

وسوريا عازمة على التحول من نظام حكم الفرد إلى التعددية والديمقراطية، هذا الأمر يواجه تحديات كبيرة، والدول العربية وخاصة دول الخليج بمواردها الاقتصادية ستلعب دوراً مهماً في إعادة بناء سوريا، لاسيما أن قطر والسعودية متحمستان لدعم الإدارة السورية الجديدة، وإن هناك مجالات كثيرة للتعاون، خاصة في الناحية الاقتصادية التي تمثل حاجة ملحة للسوريين حالياً.

وتركيا تدعم منذ البداية الثورة السورية، ولم توقف إطلاقاً هذا الدعم، وهي ستسعى خلال الفترة المقبلة لمساعدة سوريا في الوصول إلى الحوكمة والديمقراطية والاستفادة من التجربة التركية، وكذلك تقوية المؤسسات والتعددية، بما يحقق الاستقرار والأمن للدول العربية والمجاورة، حيث إن الوضع الديمقراطي سيكون الأكثر حكمة لسوريا، وسيجعلها أكثر اندماجاً في المنطقة.

Leave a Comment
آخر الأخبار
خليل صويلح يوقّع «ماء العروس».. متعة السرد واللغة والفكر من اجتماع الرياض إلى القمة العربية الطارئة.. عشرة أيام حاسمة بتوقعات مفتوحة كتلة قطبية باردة إلى شديدة البرودة يتخللها فرص لهطول زخات من الثلوج خاصة مساء اليوم وغداً حلب تتحضّر لاستقبال شهر رمضان الكريم.. ومبادرات اجتماعية لمساعدة الأسر المتعففة والأكثر احتياجاً تهدف إلى معالجة الفقر والتمييز والظلم.. ما هو واقع تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية في سوريا؟ القائم بأعمال وزارة الصحة يبحث سبل تعزيز التعاون الصحي مع وفد من الهلال الأحمر‏ القطري مربو الثروة الحيوانية في مأزق.. وخبير يدعو إلى تطوير البادية كخطوة أولى لإنقاذ القطيع ثروة ضائعة استنزفها التهريب والسرقة.. لا إحصائية حقيقية للإبل الشامية و75٪ منها صار في العراق لجوء السوريين إلى مدخراتهم مؤشر على تدهور الحالة الاقتصادية العامة خبير يدعو إلى نظام ضريبي عادل بعيداً عن تكريس حالة الإلغاء للرسوم الضريبية والجمركية