الحرّية-هبا علي أحمد:
رغم المحاولات العالمية للتحوّل إلى الطاقة الخضراء بهدف تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري وتغير المناخ، إلّا أنّ مصادر هذه الطاقة مثل الطاقة الشمسية قد تتحوّل من صديقة للبيئة إلى كارثة بيئية إذا لم تتم معالجة عوادمها بالطريقة الأمثل للحفاظ على مكاسب الطاقة النظيفة.
– الطاقة الشمسية قد تتحوّل من صديقة للبيئة إلى كارثة بيئية إذا لم تتم معالجة عوادمها
من صديقة إلى كارثة
وبمراجعة أولية للدراسات التي تناولت عوادم الطاقة نتوصل إلى بعض المعلومات المهمة، يستعرضها الخبير الاقتصادي الدكتور محمد كوسا: تتكون الألواح الشمسية من خلايا سيليكونية، وأطر ألمنيوم، وطبقات من الزجاج، بالإضافة إلى كميات صغيرة من المعادن الثقيلة مثل الرصاص والكادميوم في بعض الموديلات القديمة، أما بطاريات الطاقة الشمسية (خاصة بطاريات الليثيوم أو الرصاص-حمض) فتحتوي على مواد كيميائية خطيرة إذا تسربت إلى التربة أو المياه.
– رمي الألواح أو البطاريات في مكبات النفايات العادية ليس خياراً آمناً فالمواد السامة تتسرب ببطء إلى التربة والمياه الجوفية
وأشار الدكتور كوسا في حديث لـ «الحرّية» إلى أنّ المشكلة تكمن في أنّ العمر الافتراضي لتلك المكونات يتراوح بين 20-30 سنة للألواح، و5-10 سنوات للبطاريات، ومع تزايد عدد الأنظمة المنتهية الصلاحية، قد تتحوّل هذه التقنيات الصديقة للبيئة إلى “كارثة بيئية” إذا لم نتعامل معها بحكمة، مُتسائلاً: هل الحل في القمامة؟.. بالطبع لا! لافتاً إلى أنّ رمي الألواح أو البطاريات في مكبات النفايات العادية ليس خياراً آمناً، لأن المواد السامة ستتسرب ببطء إلى التربة والمياه الجوفية، ما يهدد صحة الإنسان والكائنات الحية.
– يمكن استعادة 95% من مكونات اللوح الشمسي عبر عمليات فصل ميكانيكية وكيميائية أما البطاريات فيُعاد تدوير الرصاص والليثيوم لصنع بطاريات جديدة
البدائل
بناءً على ما سبق، يُطرح تساؤل حول البدائل التي يُمكن اللجوء إليها من دون رمي العوادم في القمامة على اعتباره ليس خياراً آمناً، وهنا يقترح الدكتور كوسا مجموعة من البدائل، مثل إعادة التدوير (الثروة الخفية -المال مفقود) إذ توصلت التقنيات الحديثة إلى أنه يمكن استعادة 95% من مكونات اللوح الشمسي (مثل الزجاج والألمنيوم) عبر عمليات فصل ميكانيكية وكيميائية، أما في البطاريات، فيُعاد تدوير الرصاص والليثيوم لصنع بطاريات جديدة، ما يوفر تكاليف التعدين ويقلل التلوث، كما أن بعض الشركات الأوروبية بدأت تقدم خدمة استرجاع الألواح القديمة مقابل خصم على شراء ألواح جديدة.
– النفايات هي الموارد الضائعة التي يفقدها الاقتصاد لقلة الابتكار ويجب تبني الطاقات البشرية المبدعة التي يمكنها استغلال الموار
ويرى كوسا أنه ربما نكون اليوم مجبرين على تبني الطاقات البشرية المبدعة التي يمكنها الإبداع والابتكار والتفنن في استغلال الموارد، وللعلم النفايات هي الموارد الضائعة التي يفقدها الاقتصاد لقلة الابتكار.
هل نحن جاهزون؟
ويُطرح سؤال حول الجاهزية في التدوير واستغلال تلك الموارد الضائعة؟ هنا يقول كوسا: لدينا فرص جيدة لإنشاء مراكز متخصصة في تدوير هذه النفايات، خاصة مع وجود مساحات شاسعة يمكن استغلالها، إذ يُمكن البدء بمشاريع صغيرة لفصل المواد يدوياً (مثل إزالة أطر الألمنيوم) ثم التطور نحو تقنيات متقدمة وهنا يكمن جزء من خلق الفرص لإحداث وتشجيع المشاريع الصغيرة.
إلّا أنّ الدور الأهم و الحاسم في هذه المسألة “تدوير النفايات” يقع على عاتق الحكومات والمستهلكين، إذ يجب على الحكومة وضع أنظمة صارمة تمنع استيراد ألواح رخيصة غير قابلة للتدوير، وعلى المستهلكين التبرع بالألواح القديمة للمراكز البحثية بدل رميها، وهنا نكون قد شجعنا على ترسيخ القيم الأخلاقية والاجتماعية وإعادة التمسك بما كان عليه مجتمعنا السوري الأصيل.
– على الحكومة وضع أنظمة صارمة تمنع استيراد ألواح رخيصة غير قابلة للتدوير وعلى المستهلكين التبرع بالألواح القديمة للمراكز البحثية بدل رميها
تداعيات التجاهل
يُشير الخبير الاقتصادي إلى تداعيات تجاهل المشكلة، إذ ستتحول مكبات النفايات إلى مناطق ملوثة يصعب إصلاحها، مع فقدان موارد ثمينة يمكن إعادة استخدامها، ما يزيد الاعتماد على التعدين المكلف بيئياً، إلى جانب تعطيل مسيرة الطاقة النظيفة، لأن الإهمال في نهاية العمر الافتراضي قد يجعلها غير مستدامة حقًا، ويُلخص كوسا ذلك بعبارة: نفايات اليوم = طاقة الغد.
بالمحصلة؛ التعامل مع عوادم الطاقة الشمسية ليس رفاهية، بل ضرورة للحفاظ على مكاسب الطاقة النظيفة، وبالاستثمار في التدوير والابتكار، يمكننا تحويل هذه التحدّيات إلى فرص اقتصادية وبيئية، ونكون قدوة في إدارة الموارد المستدامة.