الحرية – نهى علي:
إن كانت مشكلة الدولة السورية في جزء كبير منها، مشكلة موارد و صعوبات في الإنفاق، فإننا على الأرجح اقتربنا من الحل الذي أصبح نظرياً ناجزاً عبر الاتفاق الذي أبرم مؤخراً بين الإدارة الجديدة للبلاد و “الإدارة الذاتية” لشرقي الفرات.
الإقليم الحيوي الذي سيعود جزءاً أصيلاً من جسم الدولة السورية، بكل ما يحمله ذلك من رسائل إفشال لحزمة كبيرة من الرهانات على تقسيم سوريا الدولة الواحدة الجامعة لكل أراضيها وشعبها.
وتبدو الملامح الإيجابية التي ستنتج عن الاتفاق كثيرة على شكل متوالية صاعدة وفي اتجاهات متعددة، إلّا أن لموضوع الموارد المالية للخزينة العامة للدولة، وللوفر الحاصل في معادلة الإنفاق العام أهميته الكبيرة، كأحد المخرجات الواعدة للاتفاق.
فالجميع يعلم كم ضاع على الخزينة من أموال كان يفترض أن تدخل كعائدات للمشتقات النفطية.. ومن جانب آخر ما كان يرهق الخزينة من استحقاق تسديد فواتير استيراد وشراء المشتقات النفطية وحوامل الطاقة.
فضلية: مزيد من الخير والخيرات والدخل و الإيرادات للخزينة و مزيد من مرافق البنية التحتية ومشاريع النفع العام.
والحديث ذاته ينطبق على القمح و رغيف خبز السوريين.
متوالية عائدات
من المتوقع أن يكون الاتفاق – الإنجاز نقلة و انعطافة كبيرة على المستوى العام للبلاد..فمن وجهة نظر الدكتور عابد فضلية أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، في تصريحه لصحيفتنا “الحريّة”…إن انضمام الأشقاء والأهل والأخوة الأكراد الحقيقي المتوقع؛ قولاً وفعلاً؛ أرضاً وشعباً؛ ثقافياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً؛ سينعكس عليهم أولاً، وعلى جميع السوريين ثانياً وثالثاً و رابعاً، بمزيد من الخير والخيرات والدخل و الإيرادات؛ وبالتالي بمزيد من الإيرادات للخزينة العامة للدولة؛ الأمر الذي يعني المزيد من مرافق البنية التحتية ومشاريع النفع العام؛ وعلى الأخص هامشاً إضافياً للإنفاق الحكومي على الصحة والتعليم؛ ولا سيما عندما يتعمق التكامل ما بين الثروات الطبيعية (عدا البشرية)؛ خاصة (وعلى الأقل) الثروات النفطية التي كانت لعدة سنوات تحت سيطرة جانبية وبين الثروات المادية والبشرية والفكرية الموجودة في بقية البقع الجغرافية السورية؛ ولا سيما؛ وعلى الأخص؛ تكثيف وتطوير (بل الاستفادة القصوى) من الأنشطة والقوى العاملة والمنتجات الزراعية و النفطية في الشمال والشمال الشرقي من البلاد؛ الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى تسارع وتيرة النمو الطبيعي؛ وترسخ أهداف و مفاعيل التنمية والخطط التنموية الاقتصادية والاجتماعية السورية.
و يضيف أستاذ الاقتصاد: ما قرأناه بخصوص الاتفاق بين الدولة السورية والإدارة الذاتية في الشمال هو حدث تاريخي يبشر بالخير ويدعو إلى السرور بالنسبة لسورية الموحدة وبالنسبة إلى كل مواطن سوري.
معدلات نمو موعودة
من جانبه يرى الخبير المالي و المصرفي أنس الفيومي في تصريحه لصحيفتنا “الحريّة” أنه من المؤكد أنّ الاتفاق الذي تمّ توقيعه مع قيادة قوى سورية الديموقراطية يصب في مصلحة سورية الموحدة. ومن المؤكد أن آثاره الاقتصادية ستسهم ( كتوقع مبدئي ) في اختراق كل نظريات علم الاقتصاد في النسبة القصوى لارتفاع معدلات النمو لأي بلد عانى ما عاناه من حرب ودمار وانهيار لبنى تحتية وضعف اقتصادي بكل أبعادها.
تفاؤل واقعي
ويضيف الخبير المالي: لا أقول ذلك فقط من باب التفاؤل الارتجالي بالقادم، فلا مكان للتفاؤل بعلم الأرقام والمعطيات، إنما من باب رؤيتي الخاصة للاتفاق المذكور … لماذا ؟ بكل بساطة من ذكاء القيادتين أنهما وقعتا الاتفاقية بصيغة عمومية دون الدخول في التفاصيل، هذه التفاصيل التي كانت مثار أقاويل وتوقعات سبقت التوقيع كموضوع المحاصصة على سبيل المثال، فإن أخذت الجملة الواردة بالاتفاق دمج كافة المؤسسات في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة بما فيها حقول النفط والغاز، فهذا يعني تفاؤل مطلق بأن الإدارة ستكون سورية بعيداً عن مفهوم الكعكة ، وهذا منبع تفاؤلي المشار إليه .
الفيومي: عودة حقول النفط والغاز ، و سلة سورية الغذائية.. قطعاً ستسهم إلى حدٍّ كبير في زيادة معدلات النمو و التعافي الاقتصادي.
و يؤكد الخبير الفيومي رؤيته بأن الاتفاق يأتي بعد ذلك صدق النوايا في إبعاد الأذرع الخارجية بكل مكوناتها، وستكون آلية التنفيذ بما يتفق مع سياسة دولة وخططها المستقبلية والتنموية .
مسؤوليات
بالفعل التفاؤل هنا ليس مجرد مشاعر عشوائية عائمة، بل يبنى على معطيات و قراءات لابدّ أن يجيد التقاطها كل من سيتناول الاتفاق ويضعه على طاولة البحث، وهنا يرى الفيومي أن عودة حقول النفط والغاز ، والأراضي الزراعية ( سلة سورية الغذائية )، قطعاً ستسهم إلى حدّ كبير في زيادة معدلات النمو و التعافي الاقتصادي ، نمو يفترض بالمقابل أن تدعمه إدارة مالية تحقق التوازن المطلوب
ومواكبة النمو بسياسة مالية ونقدية سليمة ، أي تكاملية الأداء الاقتصادي مع حركة المال سواء الداخلية الداخلية أو القادمة من الخارج .
ويضيف الخبير المصرفي: لا ندري إن كانت هناك تفاصيل أخرى مرتبطة بهذا الاتفاق حتى يستطيع الباحث تحديد مردوده على خزينة الدولة ، لذلك تحدثنا عن نظرة تفاؤل عمومية يمكن تفصيلها فيما لو توفرت لدينا معلومات إضافية عن آلية تطبيق هذا الاتفاق .
لكن بكل الأحوال يرى الفيومي أنها دعوة لمصرف سوريا المركزي للاضطلاع بمسؤولياته حول مواكبة السوق مع توفر السيولة، مراقبة معدلات النمو وهذا يحتاج إلى لجان متخصصة تساعد المركزي في عمله .
استدراك وترميم
وفي منظور أشمل، يرى الفيومي في الاتفاق دعوة للجميع لصدق النوايا وتشمير السواعد نحو سورية المعافاة بعد المعاناة .
دعوة لدعم سريع وكبير للمناطق الشمالية الشرقية لتحفيز الأهالي للعودة إليها والعودة لاستثمار الأراضي وتفعيل دور المؤسسات فيها، وهذا اكثر شيء يجب الاهتمام فيه من أجل استمرارية الاتفاقية ولعل ذلك يعدّ أهم ما يجب أن تهتم به اللجان التنفيذية للاتفاق .
عودة التوازن
الحقيقة التي يسلّم بها الجميع اليوم أن سوريا الدولة أمام أفق جديد واعد، بعد بداية استعادة أدوات الدولة السورية الكفيلة بإعادة إنعاش عجلة التنمية والإنتاج، وهي الأرض والموارد.. وستكون سوريا في غنىً عن الكثير من مظاهر الاستجداء التي أغرقها بها النظام البائد الذي شتَّت الموارد و بعثر الجغرافيا السورية بسياسات رعناء على مستوى الداخل والخارج.
ستكون سوريا أمام فجر تنمية جديد، و تقليص لفجوة الفاقة والوهن المالي والنقدي، و ستعاود الليرة السورية انتعاشها بعد عودة مقدرات و معادلات إنتاجية ونقدية معروفة في حسابات قوة النقد وثبات وتماسك العملة المحلية.