عيد العمال محطة للتفكير بواقعهم وإعادة النظر بقانون العمل وتشريعاته

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- بشرى سمير:
يعود أصل عيد العمال إلى نضال عمّال شيكاغو عام 1886، حين خرجوا في مظاهرات تطالب بثماني ساعات عمل يومياً، فواجهوا قمعاً دموياً صار حافزاً لحراك عالمي لاحقاً. ومنذ ذلك الحين، أصبح الأول من أيار رمزاً للتضامن العمالي العالمي، ويوماً لتكريم الطبقة الكادحة التي تبني المجتمعات بعرقها، وتدافع عن حقوقها في وجه الاستغلال.
الدكتور عمار عبد الرحمن من كلية الآداب قسم التاريخ بيّن في تصريح لصحيفة الحرية أنه في سوريا، لا تقتصر رمزية عيد العمال على البعد الاقتصادي، بل تتجاوزها إلى البعد السياسي والاجتماعي. فعلى مدار السنوات الأربع عشرة الماضية، لعبت الطبقة العاملة دوراً مهماً في الثورة السورية، حيث كان العديد من العمّال والحرفيين والفلاحين في طليعة الحراك الشعبي الذي انطلق في آذار 2011 مطالباً بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. توزعت مشاركات العمّال بين التظاهر في الشوارع، والانخراط في لجان التنسيق، والإضراب عن العمل، ورفض المشاركة في أدوات القمع أو التبعية السياسية. كثير منهم دفع ثمناً باهظاً؛ إذ اعتُقلوا أو فُصلوا من وظائفهم، وبعضهم فُقد أو قُتل، لا لشيء إلا لأنهم صدحوا بالحقيقة وطالبوا بحد أدنى من الحياة الكريمة.
وهذا العام يكتسب عيد العمال طابعاً خاصاً بعد سقوط النظام البائد، إذ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ طويل من الكفاح والنضال العمالي، وتحديات الحروب والضغوط الاقتصادية التي مرّت بها البلاد. ومع بداية كل أيار، تتجدد التحية للعامل السوري، الذي واصل عمله في المصانع والحقول والورشات رغم الظروف الصعبة، ليكون ركيزة من ركائز الصمود الوطني وإعادة الإعمار.
واضاف عبد الرحمن: غالباً يكون الاحتفال بهذا اليوم من خلال فعاليات رسمية وشعبية، تنظمها النقابات العمالية بالتعاون مع مختلف مؤسسات الدولة، تتضمن عملاً طوعياً وتكريماً لعدد من العمال المتميزين، إلى جانب إقامة معارض إنتاجية تسلط الضوء على الإنجازات المحلية.
وأكد أنّ العامل السوري لم يكن يوماً مجرد عنصر في عملية الإنتاج، بل هو شريك في الصمود والبناء، ويستحق كل الدعم والتقدير، مشيراً إلى أن المرحلة القادمة تتطلب تطوير التشريعات العمالية وتحسين بيئة العمل وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية. ولفت إلى أنّ الحكومة بصدد تعزيز برامج التدريب والتأهيل المهني، وتوفير فرص العمل للشباب، بالتوازي مع خطط دعم المشاريع الصغيرة، وهي خطوات تهدف إلى تقليص نسب البطالة وتحسين الدخل الفردي. ورغم الأجواء الاحتفالية، لا تزال التحديات قائمة، وعلى رأسها انخفاض الرواتب مقارنة بمستوى المعيشة، ونقص الضمانات في بعض القطاعات، وهو ما يدفع النقابيين إلى المطالبة بإصلاحات جذرية تحفظ كرامة العامل وتحفّز الإنتاج في آن معًا، وإعادة بناء ما دمّرته الحرب والسياسة.
ولفت إلى أنّ كثيراً من العمال السوريين داخل النقابات وخارجها، يتساءلون عن واقعهم المعيشي، وأين ذهب صوتهم الحقيقي. فالأجور لا تكاد تكفي الحد الأدنى من الحياة، والعمالة غير المنظمة بلا حماية، والقطاع الخاص يفتقر إلى رقابة فعلية تحمي حقوق العامل، ورغم كل ذلك، يبقى عيد العمال في سوريا مناسبة مزدوجة للاحتفال بمن يبنون الوطن بعرقهم، ولتجديد العهد بمن قاوموا الظلم والفساد، وجعلوا من كفاحهم اليومي صورة ناصعة لمعنى العمل والمقاومة والنضال.
وختم بالقول: إنّ عيد العمال في سوريا ليس فقط مناسبة للاحتفال، بل محطة للتفكر في واقع العمل وحقوق العامل، ورسالة تقدير لكل من يسهم بصبره وجهده في بناء مستقبل البلاد من تحت الرماد.

Leave a Comment
آخر الأخبار