عيد الميلاد.. رسالة حب تتجدّد في عالم يزداد قسوة

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – أمين سليم الدريوسي:

في كل عام، في الخامس والعشرين من كانون الأول، يطلّ عيد الميلاد كنافذة نور وسط عالم مثقل بالصراعات والهموم، إنه ليس مجرد مناسبة دينية يحتفل بها المسيحيون بذكرى ميلاد السيد المسيح، بل حدث إنساني عالمي يذكّرنا بأن الحب والرحمة قيمتان قادرتان على مواجهة القسوة التي باتت سمة يومية في حياتنا.

جميعنا نبحر في سفينة واحدة، كما لو أن العالم الكبير مجرد رحلة مشتركة، نتشاجر، نتناقش، نتعارف، وأحياناً نجرح بعضنا بالكلمات حتى غدت العدائية عادة يومية، لكن السؤال الذي يفرض نفسه في زمن الميلاد: لماذا نُخفي الحب ونمارسه في الخفاء، بينما نُظهر كل ما هو سلبي أمام العلن؟ أليس الميلاد فرصة لإعادة اكتشاف قدرتنا على المحبة، وإظهارها بلا خوف أو تردد؟

لطالما نقش الإنسان القديم على جدران كهوفه أجمل الصور والكتابات عن الوفاء والجمال، بينما نعيش اليوم كأننا وحوش، نغفل عن أبسط القيم التي تجعلنا بشراً، ويأتي عيد الميلاد ليذكّرنا بأن داخل كل واحد منا جرحاً وصوتاً، ويبحث عمن يرافقه في هذا المشوار، في طريق مجهول لا نعرف متى ينتهي.

ما لبث الميلاد دعوة للبحث عن الذات للبحث عن ذلك الشخص أو تلك القيمة التي تمنح حياتنا معنى، وتجعل الرحلة أقل قسوة وأكثر دفئاً.

حتى رموز الميلاد تحمل رسائل عميقة، شجرة الميلاد، المزينة بالأضواء، ليست مجرد زينة موسمية، بل رمز للحياة المتجددة والأمل الذي لا ينطفئ. تبادل الهدايا يعكس فكرة المشاركة والعطاء، بينما شخصية بابا نويل، المستوحاة من القديس نيكولاوس، تجسد روح الكرم والفرح، خصوصاً للأطفال الذين يرون في العيد لحظة سحرية تتجاوز حدود الواقع.

لكن الميلاد ليس طقوساً وزينة فحسب، بل فرصة للتأمل في واقعنا، في عالم يزداد انقساماً، حيث الحروب والفقر والعدائية تطغى على المشهد، ليصبح الميلاد دعوة إلى مراجعة الذات، إنه تذكير بأن العلاقات الإنسانية غالباً تبدأ بلمحة عفوية أو نظرة صادقة تغيّر مجرى حياة كاملة، وأن الحب الحقيقي قد يكون المعجزة التي ننتظرها جميعاً.

محظوظ من كان حبه الأول شريك حياته الأخير، لكن حتى أولئك الذين لم يجدوا بعد هذا الحب، يمكنهم أن يجدوا في الميلاد معنى آخر: أن نحب الحياة نفسها، أن نحب الآخرين رغم اختلافهم، وأن نمنح العالم فرصة جديدة ليكون أكثر إنسانية.

في النهاية، عيد الميلاد ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل هو رسالة متجددة تقول لنا: «أظهروا الحب، لا تخفوه، اجعلوا الرحمة عادة يومية، لا استثناءً موسمياً»، وهكذا تمضي الأيام سريعاً، ليبقى الميلاد محطة سنوية تذكّرنا بأننا لسنا وحوشاً، بل بشر قادرون على الوفاء والجمال، وأن الحب ما يجعل السفينة التي نبحر فيها أقل اضطراباً وأكثر أمناً.

Leave a Comment
آخر الأخبار