الحرية- محمد زكريا:
ليس واقعاً جديداً القول إن الفلاح السوري يواجه أزمات متتالية منذ زمن بعيد، بدأت بشح المياه وتغيّر المناخ، مروراً بارتفاع تكاليف الإنتاج، وصولاً إلى انتشار الأمراض النباتية والحيوانية. بعض هذه الأزمات يصعب التغلب عليها أو الحد منها، وذلك لأسباب واضحة، وهنا من المفترض أن تكون الجهات المعنية، من دوائر الإرشاد الزراعي وحتى الهيئات البحثية، هي خط الدفاع الأول عن الزراعة والفلاح.
غياب الدور التكاملي
بحسب الخبيرة الزراعية الدكتورة انتصار الجباوي، فإن أهمية الدور التكاملي بين الإرشاد الزراعي وهيئة البحوث الزراعية تكمن في تطوير ونقل التقنيات الزراعية الحديثة بكفاءة إلى المزارعين، وتشخيص مشكلات القطاع الزراعي لتوجيه البحوث نحو حلول عملية، وتحقيق التنمية الزراعية المستدامة وزيادة الإنتاجية. وتضيف إن البحوث العلمية الزراعية والخدمات الإرشادية والاستشارية هما جهتان أساسيتان في زيادة الإنتاجية وتطوير سلسلة القيمة الزراعية وتعزيز النمو الزراعي المستدام.
د.الجباوي: أهمية الدور التكاملي تكمن بتشخيص مشكلات القطاع الزراعي وتحقيق التنمية المستدامة وزيادة الإنتاجية
وأوضحت الجباوي لصحيفة “الحرية” أنه من المفترض أن يكون الإرشاد الزراعي والبحوث هما صمام الأمان للزراعة، لكنهما – ومنذ زمن بعيد – غائبان أو مشلولان عن أزمات الفلاح. فالمشكلة ليست في غيابهما كمؤسسات، بل في غياب الدور التكاملي الحقيقي بينهما. فالإرشاد لا يرصد المشكلات بدقة ولا يرفعها للباحثين، والبحوث لا توصل نتائجها للفلاح عبر قنوات إرشادية واضحة. وكأن كلّاً منهما يعمل في كوكب مختلف.
صرخات المزارعين
استشهدت الجباوي بالعديد من الصرخات التي أطلقها المزارعون على مدار المواسم الزراعية السابقة، دون أن تجد من يسمعها. وتساءلت: كم من مشكلة واجهها المزارع هذا الموسم؟ منها على سبيل المثال لا الحصر، تفشي آفات غير معهودة، وحالات فشل طالت بعض المحاصيل رغم كل الإجراءات، إضافة إلى مشكلات تتعلق بضعف التناسل في القطيع.
دائرة مفرغة
ونوّهت الجباوي بأن الإرشاد الزراعي، رغم الجهود الفردية المخلصة، يفتقد آلية رصد علمي دقيق ومنهجي للمشكلات، حيث لا توجد قواعد بيانات حيّة، ولا تقارير موحدة تصل إلى المراكز البحثية لتكون نقطة انطلاق لبحوث تطبيقية مفيدة. أما البحث العلمي الزراعي، فهو يمتلك الكثير من الخبرات والباحثين المجتهدين، ولديه أصناف محسّنة وتجارب واعدة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: أين تُنشر هذه النتائج؟ وكم منها خرج من الأدراج ووصل إلى حقول الفلاحين؟ وكم مرشداً زُوّد بحقيبة معرفية واضحة لنقل هذه النتائج؟ الجواب المحزن –بحسب الجباوي – هو: قليل جداً. فالإرشاد لا يوصل صوت الفلاح للبحث، والبحث لا يوصل ثماره للإرشاد، وبالتالي نحن أمام دائرة مفرغة يدفع ثمنها الفلاح والزراعة السورية، حيث يحاول الفلاح النجاة وحده بالتجريب، أو باستخدام المبيدات المهربة، أو بالبذار المجهولة.
إعادة بناء الجسر
ولفتت الجباوي إلى الحاجة الملحة لإعادة بناء الجسر المقطوع بين الإرشاد والبحث، عبر نظام رصد إرشادي موحد على مستوى القطر (رقمي وميداني)، وتغذية راجعة دورية من الإرشاد للباحثين حول المشكلات الميدانية. كما دعت إلى نشر مبسّط ومنظّم لنتائج الأبحاث الزراعية لتصل إلى الإرشاد والفلاحين، ووضع خطط تدريب مشتركة بين الباحثين والمرشدين لتوحيد اللغة والأسلوب، وتفعيل وحدات الإرشاد الحقلي والبيطري كمنصات علمية تفاعلية حقيقية.
جرس إنذار
أمام هذا المشهد المحزن، يمكن القول إنه إذا استمر هذا الانفصال بين البحث والإرشاد، فسنخسر ليس فقط الفلاح، بل روح الزراعة كلها. و”إلى متى يستمر هذا الحال في زراعتنا؟” ليس مجرد سؤال، بل جرس إنذار يجب أن يُسمع في مكاتب وزارة الزراعة والجهات التابعة لها، من مراكز بحثية ودوائر إرشاد وغيرها.