فتح إعلامي وسينمائي وسياحي.. “بوابة دمشق” تنطلق بـ 1.5 مليار دولار  

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية- إلهام عثمان:
شهد قصر الشعب أمس حدثاً تاريخياً فارقاً، يبشر بعصر جديد من التنمية الشاملة في سوريا، فبمليار ونصف المليار دولار أمريكي، وبتوقيع مذكرة تفاهم استراتيجية بين وزارة الإعلام السورية وشركة الـ”مها” الدولية للإنتاج الفني، أُعلن عن إطلاق مشروع “بوابة دمشق” العملاق.

المشروع سيساهم في توثيق التراث الفني السوري واستخدامه كأداة قوية لإغناء الثقافات المحلية وتطويرها

ويعد هذا المشروع الأول من نوعه كمدينة إنتاج إعلامي وسينمائي وسياحي متكاملة في سوريا، إذ سيقام على مساحة تقارب مليوني متر مربع ضمن العاصمة دمشق، ليضم استديوهات عصرية تحاكي طراز العمارة التاريخية وأخرى مزودة بأحدث تقنيات البث العالمية، وفي تصريح له خلال مراسم التوقيع، اختصر وزير الإعلام حمزة المصطفى رؤية الوزارة بقوله: “نحرص على أن يكون الإعلام السوري شريكاً في التنمية ومعبراً لسوريا الجديدة”.
لكن، في ظل هذه الوعود الكبرى، هل يمتلك هذا المشروع الضخم القدرة على إحداث نقلة نوعية فورية في المشهد الإعلامي السوري، أم إن الطريق لا يزال طويلاً أمام تحقيق هذه الرؤية الطموحة؟

تعزيز للهوية الوطنية

يرى مدير المركز الصحفي السوري، أكرم الأحمد، ومن خلال حوار مع صحيفتنا” الحرية” أن اتفاقية التفاهم تمثل مشروعاً مهماً يدفع بعجلة الاقتصاد السوري نحو اقتصاد السوق المفتوح، معتبراً إياه “الحل الأمثل للوضع الراهن”، ويضيف الأحمد أن هذا المشروع سيترك أثراً واضحاً على تعزيز الإنتاج المحلي، خاصة في قطاع الإعلام، من خلال خلق منافسة إيجابية وجذب المؤسسات الإعلامية العربية والعالمية إلى سوريا، مستفيدة  من موقعها المحوري وثقلها السياسي في المنطقة.

الأحمد:المشروع سيساهم في توثيق التراث الفني السوري واستخدامه كأداة قوية لإغناء الثقافات المحلية وتطويرها كما يأمل أن يشهد المستقبل إنتاج أعمال فنية تمثل مختلف المناطق السورية

الحركة الفنية

ويؤكد الأحمد على أهمية المشروع في إعادة إحياء الحركة الفنية السورية التي شهدت ازدهاراً في بداية الألفية، قبل 20 عاماً أي قبل 2010، مشيراً إلى أن سوريا تمتلك بيئة خصبة وغنية بثقافات متنوعة، ما يجعلها قادرة على إنتاج كوادر فنية متخصصة ومتميزة، ممكن أن تتفوق بمراحلها اللاحقة خاصة بما يتعلق في الإنتاج، ويرى أن هذا التنوع الجغرافي والثقافي يمكن أن يثري المحتوى الإعلامي والفني، كالمسلسلات التي تركت أثراً جميلاً حيث كانت تحاكي بيئتنا السورية، مثل مسلسل ضيعة ضايعة والخربة، ويأمل الأحمد أن يطول التنوع الثقافي أيضاً بيئات ومحافظات أخرى كالقامشلي وغيرها، من خلال تسليط الضوء على المناطق النائية والبعيدة، وعرض عاداتها وتقاليدها، ما يزيد من الغنى الثقافي والتنوع السوري الزخم.

استدامة الكفاءات

وعن استدامة الكفاءات، فإن المذكرة تتضمن خطة طويلة الأمد، منها إطلاق منصات تدريبية مستمرة، ونقل الخبرة فوراً عبر تدريب المدربين، وتوفير حوافز مهنية للكوادر المتميزة، هذه الممارسات تخلق بيئة مهيئة ومشجعة للإبداع، ما يقلل من الدافع للهجرة وبالتالي تحول الكفاءات إلى عناصر فعالة في إعادة بناء الإعلام السوري على المدى الطويل.

سوريا تكسر قيود الماضي “بوابة دمشق” تنطلق بـ 1.5 مليار دولار لترسم مستقبل الإعلام والسينما والسياحة!

توثيق التراث

وهنا يشدد الأحمد على أن المشروع سيساهم في توثيق التراث الفني السوري، واستخدامه كأداة قوية لإغناء الثقافات المحلية وتطويرها، كما يأمل أن يشهد المستقبل إنتاج أعمال فنية تمثل مختلف المناطق السورية، مثل القامشلي في أقصى الشرق إلى الجنوب، ما يعكس التنوع الثقافي والجغرافي للبلاد.

حسون: ضرورة النظر بعمق لتوسيع نطاق المستفيدين من التدريب ليشمل برامج تأسيسية موجهة للشباب حديثي التخرج والراغبين في دخول المجال الإعلامي مع تنوع الخلفيات الأكاديمية والعملية

بناء جسر حقيقي

من جهتها أوضحت الكاتبة واختصاصية التنمية البشرية و الاستشارات النفسية والأسرية ‏ أماني حسون، أنه وبعد سنوات من الانغلاق والعزلة، أصبحت هناك فجوة واضحة بين التأهيل النظري والتطبيق العملي لعدد كبير من الكوادر الإعلامية السورية، مشيرة إلى أن التحديات لم تقتصر على الناحية التقنية فحسب، بل شملت أيضاً الجانب النفسي، مثل فقدان الثقة بالنفس، والخوف من التغيرات السريعة، والشعور بالعزلة عن معايير الإعلام العالمي.
وجاءت هذه المذكرة لتحمل في جعبتها حلولاً واقعية لهذه التحديات عبر برامج تدريبية تعتمد على منهجية التدريب العملي والتوجيه الشخصي، ما يتيح للكوادر الانتقال من المستوى النظري إلى العملي، كما تتيح الشراكة مع جهة دولية مثل “المها الدولية” لتبادل الخبرات والتجارب والخيارات الحديثة، وبناء فعالية بين المهارات النظرية والممارسة المهنية المطلوبة لسوق الإعلام الحديث، وبالتالي بناء جسر حقيقي بين المعرفة النظرية والخبرة التطبيقية.

التماسك وردم الهوة

وهنا بين الأحمد أن هذا المشروع سيكون له دور قوي في التماسك وردم الهوة التي وجدت بين أبناء المجتمع السوري الواحد، من خلال التركيز على الثقافات المحلية التي يمكن أن تكون أداة لتقارب السوريين وتخفيف المظلومية، خاصة في المناطق النائية والبعيدة. ويرى أنه من خلال إعطاء منبر أو صوت فني لهذه الثقافات، سيساهم ذلك في تقارب السوريين والتقليل من الشعور بالمظلومية، وسيساعد في التئام الجروح المجتمعية التي خلفتها سنوات الحرب والانقسام، ويؤكد أن هذا المشروع سيعزز الهوية السورية، ويزيد من التواصل الحضاري بين الشعب السوري وبقية شعوب المنطقة العربية والعالم.

فرصة ذهبية

لافتاً إلى أن هذا المشروع يمثل فرصة ذهبية للكوادر الإعلامية السورية للاحتكاك بالخبرات الأجنبية والعربية في قطاع الإعلام، ما سيساهم بشكل فعال في تطوير قدراتهم ومهاراتهم، سواء في المجال الإعلامي أو الفني، وأوضح الأحمد أن هذا الاحتكاك سيتم من خلال المشاريع المتوقع إنتاجها في سوريا، والتي ستتيح فرصاً للكوادر المحلية للعمل جنباً إلى جنب مع خبراء من مختلف أنحاء العالم.

رؤية تتجاوز الأرقام

وبعيداً عن مجرد تقديم الدورات التدريبية، تؤكد حسون أن قياس الأثر الحقيقي لهذه البرامج على مستوى التنمية البشرية للكوادر الإعلامية، لا يبنى بتاتاً على عدد الدورات أو المشاركين، بل على التغير السلوكي والمهني ورفع جودة المتخرجين الإعلامية وتطوير المسار المهني للمشاركين، وهذا يتطلب اعتماد مؤشرات أداء واضحة، ومتابعة المتدربين بعد انتهاء البرنامج، وقياس مدى اندماجهم في المؤسسات الإعلامية، ما يساعد على تطورهم وتفاعلهم وتحسين إنتاجيتهم.

بناء جيل إعلامي جديد

وعن فرص التدريب والتأهيل وسؤالنا بأنه هل ستقتصر على الكوادر المؤهلة نظرياً فقط؟ تجيب حسون “بالنفي”، وتشدد على ضرورة النظر بعمق لتوسيع نطاق المستفيدين من التدريب، ليشمل برامج تأسيسية موجهة للشباب حديثي التخرج والراغبين في دخول المجال الإعلامي، مع تنوع الخلفيات الأكاديمية والعملية، و هذا يتم من خلال تقديم برامج تدمج أساسيات الإعلام، مثل التفكير النقدي والمهارات الرقمية، وتضيف: هنا، نكون قد مهدنا الطريق لبناء جيل إعلامي يملك الأدوات ومتصالح مع الهوية الذاتية والثقافية والإعلامية، وقادر على مواكبة التطورات العالمية.

الرؤية المستقبلية الشاملة

وعن اندراج هذه المذكرة ضمن رؤية أوسع للتنمية البشرية في سوريا وحسب رأي حسون، تشكل مذكرة التفاهم جزءاً مهماً في رؤية استراتيجية ووطنية تهدف إلى إعادة تأهيل وتوظيف الرأس المال البشري، مبينة أن ذلك يتم من خلال بناء منظومة تدريبية حديثة تراعي الاحتياجات وفعاليات سوق العمل، وتعزز المرونة والكفاءة في الكوادر.

وهنا، تبرز أهمية الشراكة مع الشركات العالمية داخل سوريا لنقل الخبرات وتوسيعها، ليس فقط في قطاع الإعلام، بل لتشمل قطاعات أخرى حيوية كالصحة، التعليم، الطاقة، والتكنولوجيا. وبالتالي، لا تعد المذكرة مشروعاً إعلامياً فحسب، بل هي بنية أولى لمشروع وطني متكامل لإعادة التأهيل المجتمعي المهني السوري، ما يحفز الكفاءات على البقاء والبناء المتماسك من الداخل وفق رؤية تنموية شاملة تؤمن أن الإنسان هو المحرك والدافع الأول لأي نهضة مستقبلية.

فجر جديد يضيء سماءنا

كما أشارت حسون إلى أن مشروع “بوابة دمشق”، الذي يعد أول مدينة إنتاج إعلامي وسينمائي وسياحي متكاملة في سوريا بالاستثمار، لا يمثل مجرد أرقام ضخمة، بل هو تجسيد لرؤية استراتيجية عميقة. فبتوفيره أكثر من 4000 فرصة عمل مباشرة و9000 فرصة موسمية، وإنشائه استديوهات عصرية تحاكي طراز العمارة التاريخية وأخرى مزودة بأحدث تقنيات البث، يؤكد هذا المشروع التزام وزارة الإعلام بجعل الإعلام السوري “شريكاً فاعلاً في التنمية ومعبراً أصيلاً عن سوريا الجديدة”.
لافتة إلى أن هذا المشروع يعتبر خطوة جريئة نحو مستقبلٍ إعلاميٍ وسياحيٍ واعد، تبشر بعودة الروح لقطاع حيوي، وتعيد لسوريا مكانتها كمركز للإبداع في المنطقة، لتضيء سماءها بفجر جديد من التنمية والازدهار.
وختم الأحمد: أن تلك الخطوة ستساهم في جذب شركات الإعلام الكبرى إلى سوريا، ما سيؤدي إلى تطوير الإمكانيات المحلية وتعزيز القدرة التنافسية للكوادر السورية في سوق العمل الإقليمي والدولي، واعتبر أن هذه الخطوة ستعزز مكانة سوريا كمركز إعلامي إقليمي، وستساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى قطاع الإعلام.

الوسوم:
Leave a Comment
آخر الأخبار