في اليوم العالمي للصداقة.. عن الفقدان بين شمس الحب وقمر الصداقة!

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- جواد ديوب:

تمتلئ الطبيعة بظواهر مدهشة وأعاجيب لم يستطع العلم تفسيرها حتى الآن، مثل: “إن صوت البطّ لا صدى له”. غريبةٌ ومؤرّقة هذه المعلومة بالنسبة لي، إنها تشعرني كمن فقد فجأة حاسة الذوق بالكامل(وليس السمع) وبدا كل ما يأكله ويشربه بلا نكهة، شيءٌ موجود وغيرُ موجود في الوقت نفسه، شيء تراه وتلمسه لكنك لا تعرف ماهيته، كينونته، أهو حامض أم حلو أم مالح؟ أهو مرٌّ ولاذعٌ أم عفِنٌ وفاقدٌ لصلاحيته؟

في اليوم العالمي للصداقة 30 تموز!

هو هكذا الإحساس بفقدان الأصدقاء، كمن فقد ذراعاً ولكن بقي عنده ما يسمّى “وعيُ الأعضاء لنفسها”، أي أنه يستمر في الشعور بأن ذراعه موجودة ولكنها غير موجودة واقعياً.
هو هكذا دخولُ الأصدقاء في الغياب، استشهادُهم، موتهم، سفرُهم الطويل الطويل، هم في أحلامنا وأفكارنا وفي كل ما نفعله ولكنهم غير موجودين، هم مجرّدُ أطياف، أجسادٌ باردة، كابتسامةٍ خرقاء على نكتةٍ لا تُضحك.

بين شمس الحب وقمر الصداقة!

في الحب نكون نحن والزمن شيئاً واحداً، غمراً.. قطرتا ماء في محيط، عقربا ساعة الكون يكون العاشقان.
في حضور الأصدقاء للزمن مفهوم آخر، سيلٌ لا ينقطع من الذكريات والأسرار، ومع غيابهم يتحول الزمن إلى ثقب أسود يبتلع الحاضر والمستقبل ويتركنا على حافة الماضي غباراً كونياً يسبح في اللا معنى.
في الحب يتعاشق الحبيبان كاللبلاب، كالموسيقا أحدُهم هو نغمةُ القرارِ الخفيضِ العميق السحيق في حزنه، والآخرُ هو نغمةُ الجواب العالية، المنتشرة، الباذخة في فرحها، في الحب كلٌّ من العاشقين هو الصوت والصدى معاً.
أما في الصداقة فثمة شيءٌ آخر مختلف، إنه لهيب الأضداد، إنه الأنا كاملةً معكوسةً في مرآة الصداقة الواضحة في صفاء انتقادها، والآخرُ كاملاً معكوساً في ماء عيوننا الصادقة المعاتِبة، إنه الصدى المفقود من صوت البطّة. هو ذلك الفشلُ الذي نخاف ربما أن نعلنه أمام من نحبّ، تلك الخيبات والخطايا التي نريد ارتكابها بعيداً عن صورتنا الملمَّعة الكريستالية في ذهن من يحبوننا. هو إمكانية أن تضع أو تضعين ثقل عمْر من القلق والحزن والعناد في وجه صديقك/صديقتك، أن تلقي/تلقين باندفاعاتك الطائشة الصبيانية في مقابل قلب صديقٍ أو صديقة تكترث بك حدّ الإنهاك، بل ويستمر في الاهتمام بك رغم كل شيء. هو حيث يمكن أن تقول: أحبكَ يا صديقي لأنك أقدر منّي على فهم اختلافاتنا وأنا أقدر منك على زيادتها، لأنك أبرع منّي في صياغة اختلافنا، وأنا أمهر منك في التفلّت من صياغاتك.
في الحب تقودنا حماقاتنا من قلوبنا للبكاء على أنفسنا حنيناً لما كنّاه وما أضعناه في دروب عشقٍ فاشلة/ في الصداقة تسوقنا الخطايا من عقولنا بإصرار للانفجار ضحِكاً على إرادتنا الغبية الضعيفة.
في الحب نرقص برومانسية، في الصداقة نطلق ساقينا للريح كالدون كيشوت، ونرقص على إيقاع زوربا المختبيء فينا!

بلا تفضيل!

أبداً لست أفاضلُ بين الحب “الذي يحرّك الشمسَ والكواكبَ الأخرى”، وبين الصداقةِ المنارةِ التي تهتدي بها سفنُ مغامراتنا التائهة.
أنا أقول إننا يجب أن نصادقَ من نحبّهم، وأن نحبّ من نصادقهم قبل أن يتركنا الندم على فقدانهم مؤرَّقين حتى الفجر بذكريات كالشوك، وإنه من الأجمل أن نصلَ بالحب إلى مرتبة الصداقة والحرية الفسيحة التي تتيحها لنا، وأن نصل بالصداقة إلى عتبة الحب بكل فيوضاته وقداسته، لأننا من دون الحب أجسادٌ بلا قلوب، ومن دون الصداقة وجوهٌ بلا عيون.

السرُّ في الماء!

قلتُ يوماً:
سأهزمُ البشاعةَ بقصيدة، وأزيّنُ لنفسي وللأصدقاء شهوةَ الشِّعر، لعلّنا نحيا قبل أن تطلقَ علينا أحلامُنا رصاصةَ الفرح المؤجّل، أو قبل أن ندركَ أننا تأخّرنا عن الحياة أربعين فرحاً وأربعَ ضحكاتٍ وحبَّيْن.

وقلتُ أيضاً:
في غيابِكِ أصيرُ عشباً يابساً و”كمشة” ذكريات، في غيابكِ يخبو القلب بعيداً عنّي كنجمٍ هاربٍ في المجرة، وتصرخ كتبي وأوراقي من وجعٍ في ذاكرة الكلمات/ لا الأنا أنا ولستِ هنا لأرجِعَ قلبي إلى معناه/ في غيابِكِ أكتبُ لكي أنسى، أقرأ لكي أورِقُ، أبكي لأزيحَ الهمَّ عنكِ وأضحك لكي تزهري/ في البال بضعُ يماماتٍ وفكرة، والجسدُ المنخورُ بسوس الوحدة يرتّلُ لغةَ الشوق بعشرة أغصانٍ وعصفور/ لصبري رائحةُ خبزٍ يحترق، ولبقية الأمل المترسّب في صدري طعمُ القهوة المرّة/
قالت: ألا يعرف اليأسُ طريقاً إلى رؤياك؟
قلتُ: بعضُ سعادتي استباقٌ لمرارة الفقدان، فالأفراح قصيرةٌ والموتُ طويل.
قالت: ألا تعرفُ كيف تعيشَ الحياةَ مجازاً واستعارةً ولغزاً؟
قلت: بل لا تعرفُ الحياةُ أن تعيشني سماءً وماء؟
فالسرُّ كلُّ السرِّ فيما يقول الماء، وكلّ الماء في عقلي، وكلُّ العقل في الحبِّ، وكل الحبِّ في اسمكِ، وكل اسمكِ فيَّ، وكلّي أنا فينا…”صديقان إلى أن ينامَ القمر”.

Leave a Comment
آخر الأخبار