في منطقة «تقاطع النيران» بين إيران وإسرائيل.. كيف تنجو سوريا؟

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:
نفي لا بد منه أصدرته وزارة الإعلام مساء أمس حول المزاعم التي تقول أن الرئيس أحمد الشرع أعلن ‏فتح الأجواء السورية لاعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية، الوزارة أكدت أن هذه الادعاءات لا ‏أساس لها من الصحة.‏
الاعتقاد العام أنه من الغباء إطلاق مثل هذه الادعاءات، حيث تعمل سوريا بصورة مكثفة على استعادة ‏توازنها السياسي والاقتصادي والأمني وتجنب الدخول في متاهات إقليمية جديدة ستدفع بها نحو تضييع ‏البوصلة مجدداً، حيث إن لسوريا اليوم موقعاً مختلفاً كلياً، فإنها على الأكيد لن تغامر بمواقف أو قرارات ‏أو إجراءات من شأنها أن تعيدها إلى المربع الأول وهي التي اجتازت مسافات مهمة بوقت قياسي على ‏طريق التعافي واستعادة التوازن.‏

النفي الذي أطلقته وزارة الإعلام حول مزاعم فتح الأجواء لاعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية ‏كان نفياً لازماً حتى لا يتم أخذ سوريا بشرور غيرها وبأعمالهم الخبيثة التي تريد توريطها وجرها إلى ‏دائرة الاستهداف واللا استقرار

ومن الغباء أيضاً اعتبار أن الصواريخ والمسيرات التي تجتاز سماء سوريا وسقوط أو إسقاط بعضها فوق ‏أراض سورية، هي نوع من قرار ما، أو موقف ما، سوريا مثلها مثل جميع الدول التي تشكل «منطقة ‏تقاطع نيران» ما بين إسرائيل وإيران، مثل الأردن والعراق ولبنان، هناك صواريخ ومسيرات ستواصل ‏عبور الأجواء رغم عمليات الإغلاق، وسيتم إسقاط ما يمكن إسقاطه من قبل إسرائيل وأميركا.. فلماذا ‏ننسى أن لأميركا قواعد في كل المنطقة، خصوصاً في العراق وفي الشمال الشرقي من سوريا ومنها ‏تستطيع اعتراض وإسقاط المسيرات والصواريخ الإيرانية؟ ‏
‏- لماذا ننسى أن سوريا هي عملياً واضحة بمساراتها الجديدة وقراراتها ومواقفها، ومن ضمن ذلك ‏الحرب الإيرانية- الإسرائيلية لناحية تجنب أن تكون جزءاً أو طرفاً أو ساحة أو أي أمر من هذا القبيل؟

الصواريخ والمسيرات التي تعبر سماء سوريا- ويتم إسقاط بعضها- لا تندرج ضمن قرار ما، أو موقف ‏ما لأن سوريا مثلها مثل الدول الأخرى التي تشكل «منطقة تقاطع نيران» بين إيران وإسرائيل، حيث ‏الصواريخ والمسيرات ستواصل عبور أجوائها رغم عمليات الإغلاق ‏

– لماذا ننسى أن سوريا وجميع الدول المحيطة بإسرائيل باتت في وضع جيو سياسي جديد لا يحتمل أن ‏يكون جزءاً من حرب شرسة (إلا إذا فُرض عليها ذلك) حرب تدور رحاها بأعنف الأشكال وبأشد ما ‏وصلت إليه العقول الاستخباراتية والذكاء الاصطناعي من تطور مخيف وصل إلى درجة أن إسرائيل ‏بنت منظومة حرب كاملة – عسكرية واستخباراتية – في قلب إيران، ولم تكن ساعة الصفر بحاجة إلا إلى ‏أن ترفع إسرائيل إصبعها مُعلنة بدء المواجهة وليقف العالم، بما فيه إيران نفسها، في حالة ذهول ‏وصدمة؟
‏- لماذا ننسى أن الصواريخ والمسيرات الإيرانية والإسرائيلية لديها أجواء أخرى تعبر منها، دون حاجة ‏إلى أن تكون سوريا أو غيرها سماءً رئيسية لها؟ ‏
‏- وعلى فرض أن هناك إمكانية لاعتراضها وإسقاطها، فأي دولة ستغامر بذلك، والمنطقة بمجملها على ‏كف عفريت، وفي موقع الحلقة الأضعف لاعتبارات كثيرة معروفة للجميع دون أن ننسى حالة ‏الاصطفاف الجيو- اقتصادي الجديد الذي دخلته المنطقة في ظل سوريا جديدة منذ التحرير في 8 كانون ‏الأول الماضي؟
‏- لماذا ننسى أن سوريا خرجت، أو بعبارة أدق نجت من أن تكون جزءاً من هذه الحرب منذ سقوط نظام ‏بشار الأسد البائد؟ علماً أنه ليس بالضرورة أن تكون سوريا في منجى من تأثيراتها في المرحلة اللاحقة إذا ما ‏توسعت واستشرست بصورة أكبر، وهذا أمر منطقي بحكم الجغرافيا اللصيقة مثلها مثل العراق ولبنان ‏والأردن، وحتى الجغرافيا الأبعد قليلاً كدول الخليج.. إذا ما توسعت الحرب فإن المنطقة كلها ستكون ‏ساحة لها.‏
حتى الآن، تأثيرات الحرب على سوريا لها وجهان: الأول هو شظايا الصواريخ والمسيرات التي تسقط ‏على أراض السوريين وتوقع أضراراً وجرحى (وهناك حالة وفاة في طرطوس بفعل مسيرة إيرانية) ‏وتخلق حالة خوف وقلق دائمة من أن يتجاوز التأثير هذا المستوى لتكون الأضرار أكبر، مادية وبشرية. ‏
والوجه الثاني هو الأجواء السورية التي تتأرجح بين فتح وإغلاق وفق التطورات وحجم المخاطر.‏

سوريا نجت من أن تكون جزءاً من هذه الحرب بفعل سقوط النظام السابق، علماً أنه ليس بالضرورة أن ‏تكون في منجى من تداعياتها إذا ما توسعت وهذا أمر منطقي بحكم الجغرافيا وحالة الاصطفاف الجيو- ‏اقتصادي الجديدة في المنطقة

الاعتقاد الصائب مقابل ذلك الاعتقاد الغبي- آنف الذكر- أن سوريا لا يمكن إلا أن تكون جزءاً أساسياً من ‏عملية الاهتمام والترقب والحذر والقلق، والتي يتشارك بها كل العالم، حيال ما يتعلق بالحرب الإيرانية ‏والإسرائيلية وتطوراتها وتداعياتها. أي خروج لهذه الحرب عن نطاق السيطرة العسكري والجغرافي فإن ‏سوريا في قلب الخطر، لذلك فإن عملية الاهتمام والقلق تنسحب على كل سوريا بمستوييها ‏القيادي/السياسي والشعبي. من المستحيل تقريباً أن تجد سورياً واحداً لا يهتم ولا يتابع هذه الحرب، أو أنها ‏ليست على رأس أحاديثهم اليومية، وأيضاً على رأس مخاوفهم لناحية تأثيراتها المباشرة عليهم وعلى ‏بلادهم، أقله لناحية أنه ومنذ اندلاع هذه الحرب يوم الجمعة الماضية، هناك حالة انشغال عالمي بها ‏انعكس على وقف عملية الانفتاح السياسي والاقتصادي وبدل أن تواصل الاستثمارات ورؤوس الأموال ‏تدفقها، فإنها بلا شك ستتوقف حالياً بصورة كبيرة انتظاراً وترقباً.‏
الصائب أيضاً أنه يمكن اعتبار النفي الذي أعلنته وزارة الإعلام هو أول موقف رسمي مُعلن لناحية النأي ‏وتجنب – ما أمكن – تداعيات هذه الحرب وشرورها، رغم أن هناك فريقاً واسعاً من المراقبين يرى أن ‏هذه الحرب في يومها الرابع، وكان الأشرس لناحية الاستهداف والتدمير، تجاوزت نقطة اللاعودة. ‏والأخطر أنها بلا قواعد اشتباك، بلا خطوط حمراء، حرب تديرها الأقمار الصناعية والمجسّات الحرارية ‏والعملاء المحليون والطائرات المخيفة في تطورها وإمكانياتها. حرب فيها الاختراق/الانكشاف الأمني لا ‏يقل فتكاً عن الصواريخ، والاستهداف المعلوماتي/الذكاء الاصطناعي المرعب، لا يقل خطراً عن القصف ‏الجوي.‏

لا يمكن لسوريا إلا أن تكون جزءاً أساسياً من مسار الترقب والقلق العالمي.. أي خروج لهذه الحرب ‏عن نطاق السيطرة العسكري والجغرافي سيدفع سوريا إلى قلب الخطر، لذلك فإن الاهتمام والقلق ينسحبان ‏على كل سوريا بمستوييها القيادي والشعبي

نحن أمام الصراع الأخطر تاريخياً الذي يهدد بتحويل المنطقة إلى ميدان واحد مفتوح، حيث لا أحد في ‏مأمن، لا في إيران، ولا في إسرائيل، فكيف يمكن أن نتحدث عن سوريا فقط؟ رغم أنه يكفي أن نعرض ‏حجم الاعتراض وإسقاط الصواريخ في السماء السورية لندرك أنه لا شيء، وأنه لا يشكل فرقاً في ‏معادلات الحرب. ‏
مع ذلك وجب النفي والتوضيح حتى لا يتم أخذ سوريا بشرور غيرها وبأعمالهم الخبيثة التي تريد جرها ‏إلى دائرة الاستهداف واللا استقرار.‏
كما يجب بالتوازي عرض وتوضيح ما تقوم به القيادة السورية من جهود كبيرة ودائمة حتى لا يتم جرها ‏إلى ما لا تريد، وهناك من يحاول فعلياً ذلك. ‏
لنذكر هنا، وقبل اندلاع هذه الحرب، بنحو شهر تقريباً، عملية إطلاق صواريخ من جنوب سوريا باتجاه ‏إسرائيل من جماعة تطلق على نفسها (جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا – أولي البأس) وكان من ‏الممكن أن تنحو التطورات باتجاه أمني خطير، لولا أنه تم احتواء التداعيات. ‏
حتى الحدود السورية- العراقية ليست بعيده عن مخاوف القيادة السورية، حيث تنظيم داعش، ووكلاء إيران ‏لا يزالون يعملون في هذه المنطقة، وقد يعملون في مرحلة ما على عمل أمني خطير باتجاه توريط ‏سوريا، وهو ما تسعى القيادة السورية لتفاديه على أكثر من وجه وطريقة، من الاستنفار إلى التعزيزات ‏إلى تنشيط مسارات المراقبة والضبط.. وغير ذلك. ‏
يدرك الجميع، والسوريون قبل غيرهم، أن استمرار الحرب الإيرانية- الإسرائيلية لفترة طويلة سيدفع ‏بسوريا نحو الواجهة بشكل أو بآخر. لطالما كانت سوريا في عهد النظام السابق ساحة معركة رئيسية في ‏حرب الظل بين إيران وإسرائيل، ومع انتقال حرب الظل إلى العلن وبهذه المستوى الخطير جداً منذ ‏اللحظة الأولى، فإن الجميع يخشى أن تنتقل إلى ساحات أوسع بحكم أنها حرب تكسير نفوذ، إما قاتل أو ‏مقتول، وبحكم أن كلا الطرفين متساويان تقريباً في القوة والردع، لذلك فإن كل السيناريوهات مفتوحة ‏على الأخطر، وجميع دول المنطقة في قلب هذا الخطر وخصوصاً اللصيقة، وعلى رأسها سوريا.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار