الحرية – هناء غانم:
أثار مشروع قانون الإصلاح الضريبي الجديد الذي طرحته وزارة المالية جدلاً واسعًا في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية، حيث يمثل خطوة أساسية نحو بناء نظام ضريبي عادل وشفاف ويواكب متطلبات التنمية الاقتصادية ويعزز ثقة قطاع الأعمال، والهدف الأساسي منه الحفاظ على الإيرادات العامة للدولة وتحقيق الاستقرار المالي في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة مالية خانقة.
الجانب الأكثر إثارة في هذا المشروع هو تفاؤل شرائح واسعة من رجال الأعمال والمستثمرين، الذين يرون فيه تهديدًا لفرص الاستثمار وفي الوقت ذاته يخشون أن يؤدي إلى زيادة الأعباء المالية على القطاعات الاقتصادية المختلفة، ويشير بعض خبراء الاقتصاد إلى أن مسودة هذا القانون قد تكون غير فعالة وتواجه الكثير من الثغرات والتحديات التي يجب إعادة النظر فيها، وفق ما أكده أهل الاختصاص خلال ورشة العمل التي أقامتها كلية الاقتصاد في جامعة دمشق بالتعاون مع مركز الدراسات والبحوث الاسترتيجية لمراجعة مسودة قانون الإصلاح الضريبي وفتح باب النقاش لأخذ الملاحظات عليه ووضع النقاط على الحروف، مع الإشارة إلى أن هذه المناقشات تظل جزءًا من الصراع الأوسع حول كيفية إدارة النظام الضريبي الجديد في سوريا بعيداً عن جباية الأموال من الفقراء.. بل جبايتها من الأرباح المتحققة لأصحاب المشاريع والمنشآت وإلغاء فكرة وزارة الجباية التي ارتبطت بوزارة المالية لعقود من زمن النظام البائد.
كنعان: إلغاء فكرة وزارة جباية التي ارتبطت بوزارة المالية لعقود من زمن النظام البائد
عميد كلية الاقتصاد الدكتور علي كنعان أكد في حديثه لـ”لحرية” أن القانون الضريبي الذي طرحته وزاره المالية على الإعلام لوضع الملاحظات عليه هام جداً ولا يخفى على أحد أن الضرائب تلعب دوراً هاماً في الحياة الاقتصادية ويعد النظام الضريبي عنواناً اقتصادياً لأي دولة في العالم.
وعندما يذهب المستثمر إلى أي بلد يقرأ أولاً عن حجم الضرائب، وبعدها يفكر بالاستثمار.. كون الضريبة هي عامل جاذب للاستثمار كما هي عامل يحقق العدالة الاجتماعية بين المكلفين وبين المواطنين، إضافة لأنها عامل لزيادة خزينة الدولة والاقتصاد الوطني، كما أن الضريبة إذا تميزت بالوعي وأصبح المكلفون يعملون بمستوى عالٍ من الوعي الضريبي سوف ينعكس ذلك إيجاباً على الحكومة ويرتاح الاقتصاد ويرتاح المكلفون أنفسهم بحيث يصبح دافعو الضرائب كما يقال في الغرب: “دافعو الضرائب هم من يقررون السياسة الاقتصادية”، ودافع الضرائب يصبح له سلطة وقوة في الاقتصاد الوطني ويقرر ما هي الإجراءات الجديدة التي يجب العمل عليها، وما هو عمل الحكومة المستقبلي وما هو برنامج عملها، لافتاً إلى أنه وبموجب هذا القانون تسعى الحكومة إلى تغيير طريقة التفكير القديمة مع أخذ كل مفردات النظام الضريبي بعين الاعتبار والتركيز على موضوع العدالة الاجتماعية والوعي الضريبي لجذب المستثمرين للعمل والاستثمار في الاقتصاد السوري، ومن ثم الانتقال لمرحلة الاقتصاد الحر، وليس الاقتصاد المركزي الذي يدار بالأوامر، فالضريبة هي إحدى مفردات هذا الاقتصاد الجديد الذي يركز على جذب الاستثمار وجذب المستثمرين للعمل في الاقتصاد.
ولدى سؤاله عما إذا كانت مسودة القانون قد حققت كل الأمور قال: إن هناك نقاطاً إضافية يجب العمل عليها وإعادة النظر فيها، مثلاً إعادة النظر في المعدلات التصاعدية وإعادة النظر في الإعفاءات الممنوحة للقطاعات الاقتصادية الأساسية وتحديدها بشكل واضح، أيضاً تحديد التبرعات والتركيز على التكليف للشركات وتحديد مطرح الضريبة وليس الأشخاص أي يجب أن لا تفرض الضريبة على التاجر بل على الربح الذي يحققه التاجر وأن تفرض على الشركة وليس على أشخاص الشركة مؤكداً أن موضوع الرواتب والأجور، أيضا يجب أن تكون تصاعدية أي إعفاء للحد الأدنى ومن تكليف تدريجي نحو الحد الأعلى من الأجور.
وأضاف كنعان إن وزارة المالية (صدرها رحب) وسوف تأخذ كل النقاط بعين الاعتبار، وتعمل على نسف فكرة الجباية من قانون الضرائب ليكون قانوناً يشجع على الاستثمار والعمل والإنتاج وإعادة الإعمار والبناء.
مسودة القانون صياغتها ركيكة!
وفي السياق ذاته، يتساءل البعض ما إذا كان هذا المشروع سيحقق الأهداف المرجوة من تحسين الإيرادات المالية، أم أنه سيزيد من تفاقم الأزمات الاقتصادية ويزيد من حدة التنافس بين القطاعات الاقتصادية المختلفة.
العدي: وجود محاكم ضريبة نقطة مهمة بعد أن كانت المالية الخصم والحكم
فمن وجهة نظر الدكتور والاقتصادي إبراهيم العدي يرى أن القانون الجديد عليه بعض الملاحظات وبعض القضايا المبالغ فيها ومن الضروري إعادة النظر فيها من جديد وبالوقت ذاته هناك قضايا إيجابية يجب استثمارها بالشكل الأمثل، مبيناً أن مسودة القانون هامة جداً ولها دور كبير في مجال الإصلاح الاقتصادي في سوريا، لاسيما أن القانون القديم قد مر على إصداره اكثر من 76 سنة.
د. العدي في حديثة لـ “الحرية ” فند الكثير من النقاط التي اعتبرها سلبية، مبيناً أن مسودة القانون صياغتها ركيكة بشكل عام وتحتاج إلى إعادة صياغة أكثر ليتم تفادي كل الأخطاء لرفعها إلى الجهات المعنية.. لافتاً إلى أن فرض الضريبة على القطاعات لايجوز ويجب أن تكون على الشكل القانوني للمكلفين، وبالوقت نفسه الضريبة على الرواتب والأجور جاءت على شكل شريحتين فقط وهذا الكلام غير منطقي لأن الضريبة يجب أن تكون بشكل تصاعدي وبشرائح عديدة، موضحاً أن هناك بعض الأشخاص في سوريا رواتبهم تصل إلى ملايين الليرات.
وكان للدكتور العدي عتب على من وضع بند الإعفاءات، مثل الإعفاءات على القطاع الصحي والمشافي الخاصة التي لا ترحم أحداً وبالتالي لا ينعكس ذلك على المواطن وكذلك الحال بالنسبة للجامعات الخاصة، مشيراً إلى أن الدولة غير مسؤولة عن تخفيض الضريبة لهم.
والنقطة التي أشعلت الحوار في الجلسة هي حجم العقوبات والمسؤوليات التي وضعتها مسودة القانون على المحاسب القانوني والتي وصفت بأنها غير منطقية، فبدلاً من أن تثبت وزارة المالية أن لديها القدرة على إثبات الدخل الخاضع للضريبة، حولت أدلة الإثبات إلى المحاسب القانوني وكأنه يعمل عند الوزارة، علماً أن الوزارة لا علاقة لها بعمله، فهو يعمل كالمحامي أي يدافع عن المكلف “وفي ضوء ما اطلع عليه ” يقوم بإعداد تقرير بناء على المعلومات الموجوة، لأن المسؤول عن التدقيق والكشف هي وزارة المالية التي بدورها يجب أن تحدد الأدلة لإثبات تحديد الربح الخاضع للضريبة، كما تم التطرق إلى موضوع التعويض العائلي ومن المفترض أن يتم تحدد ما هي للضريبة على كل ولد.
وأشار أخيراً إلى أن وجود محاكم ضريبة نقطة هامة جداً، لأن المالية كانت هي الخصم والحكم.. والاستعلام الضريبي كان مرعباً ومعرقلاً للعمل.
سكر: 80%من قضايا التجارة بالعالم تحل بالتحكيم
“ما يهمنا هو الأرباح”
نائب رئيس غرفة تجارة دمشق غسان سكر قال: نحن كتجار ومستثمرين ورجال أعمال ما يهمنا في نهاية العام هو الميزانية وماذا حققنا من الأرباح أو الخسائر.
لافتاً إلى أن النقطة الأهم التي وردت في مسودة القانون تغير مفهوم الضريبة بسوريا من جباية إلى تنمية وهي الأساس، مشيراً إلى أنهم وضعوا القانون لمناقشته ومراجعته، “أي أننا وصلنا الى حالة من الديناميكية التي تتعامل به كل بلاد العالم نتيجة التطورات الموجودة بالاقتصاد ومن صلاحيات الوزير أن تتم مراجعة القانون لأكثر من مرة كل سنتين.
وتحدث عن معدلات الضريبة الموجودة التي تصل من 10 و 15% بالنسبة للنشاطات الصناعية و16% بالنسبة للنشاط التجاري، لافتاً إلى وجود العديد من الفرص الاستثمارية الموجودة في سوريا مع جلب خبرات من الخارج.. وحتى لا نلجأ إلى المحاكم ومن يريد الاعتراض يجب أن يمضي على صك تحكيم أي يجب إلغاء المحاكم بشكل كامل. موضحاً أن 80%من قضايا التجارة بالعالم تحل بالتحكيم دون الدخول في متاهات الدعاوى والنقطة الإيجابية أنه تم إلغاء عقوبة السجن والاستبدال بالعقوبات المالية، ويفتح مجال المصالحة للمخالفات بشروط ومتطلبات محددة، وتبسيط إجراءات تدقيق بيانات المكلفين مع الشفافية، وتكريس الفاتورة الإلكترونية، وإلغاء الاستعلام الضريبي، والتحول إلى مكافحة التهرب الضريبي المركز بشروط ومحددات، إضافة إلى إتمام عملية التدقيق بنظام اختيار العينات عبر نظام إلكتروني متقدم لا يتدخل فيه الأشخاص، وضمان حق المكلف في الاعتراض والتقاضي، وإلغاء مفهوم “الحكم والخصم في آن واحد”، إضافة إلى ترسيخ مبدأ “عبء الإثبات على الإدارة الضريبية” وليس على المكلف، مع الإشارة إلى إمكانية أخذ كفالة مصرفية لتحافظ الدولة على غرامات التأخير.