قد تُحوِّل التحدي إلى فرصة تنموية.. عودة المهجّرين واللاجئين السوريين ركيزة لإعادة الإعمار وتحريك عجلة التنمية

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – بشرى سمير:
في ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية التي شهدتها سوريا مؤخراً وبعد رفع العقوبات، تبرز قضية عودة اللاجئين والمهجّرين السوريين من أهم التحديات والفرص في آنٍ معاً، فبعد أكثر من عقد على اندلاع الحرب لم تعد مسألة العودة مجرد ملف إنساني أو سياسي بل باتت عاملاً محورياً في إعادة إعمار سوريا، وإطلاق عجلة التنمية الاقتصادية خاصة مع تنامي الحاجة إلى الكوادر البشرية ورؤوس الأموال الوطنية لإعادة بناء ما دمرته الحرب وسد الثغرات التي أوجدتها.

حاجة وطنية

ويرى الدكتور صالح إبراهيم خبير اقتصادي ومدرّس جامعي أن عودة اللاجئين هي حاجة وطنية وإستراتيجية، حيث تشير الإحصاءات إلى وجود ما يقارب عشرة ملايين سوري في دول الاغتراب، وتقدر الأمم المتحدة أنّ هناك ما يقارب 5.7 ملايين سوري لا يزالون نازحين داخلياً بسبب تدمير منازلهم، بينما يعيش 5.5 ملايين كلاجئين خارج البلاد.. هؤلاء ليسوا مجرد أرقام، بل يشكّلون طيفاً واسعاً من الكفاءات والمهارات والخبرات التي يحتاجها الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار، وأضاف صالح: تشير دراسات البنك الدولي إلى أنّ تكلفة إعادة الإعمار قد تتجاوز 400 مليار دولار، لكن العودة الآمنة للاجئين والمهجّرين مع استثمار رؤوس أموالهم وخبراتهم قد تُحوِّل التحدي إلى فرصة تنموية غير مسبوقة.

خبرات متراكمة

وبيّن الدكتور إبراهيم في تصريح (للحرية) أنّ عودة المهجّرين تمثل عصب التنمية، إذ إن العديد من هؤلاء هم من أصحاب الشهادات العليا أو الحرفيين المهرة أو رواد الأعمال الذين راكموا خبرات وعلاقات اقتصادية يمكن أن تسهم في نقل المعرفة وربط الاقتصاد السوري بالأسواق الإقليمية والدولية، منوها بوجود إمكانات مهدورة خلال سنوات الأزمة، وهناك مئات ملايين الدولارات ورؤوس الأموال خرجت من سوريا، منها ما هرب بفعل غياب الأمن، ومنها ما استثمر في دول الجوار أو في أوروبا وتركيا، وعودة هذه الأموال ولو بجزء منها كفيلة بإحداث نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني إذا ما تم توظيفها في مشاريع إنتاجية وتنموية.

إصلاحات تشريعية

ويشير إبراهيم إلى أنّ البيئة الاستثمارية في سوريا بحاجة إلى إصلاحات تشريعية وضمانات واضحة لحقوق المستثمرين، لكن الأهم من ذلك هي الثقة.. يجب بناء إطار قانوني ومؤسساتي يطمئن المستثمر السوري في الخارج بأن استثماره في وطنه آمن ومجدٍ اقتصادياً.
ويضيف إبراهيم: إن عملية إعادة الإعمار لا تعني فقط ترميم الأبنية والمرافق بل هي فرصة لبناء اقتصاد حديث يعتمد على الابتكار والطاقة المتجددة والتكنولوجيا، وعودة اللاجئين سواء كمستثمرين أو كعمال وأصحاب مهن تعد شرطاً أساسياً لإنجاح هذه العملية خاصة أنّ المهجّرين يحملون معهم تجارب عمرانية ومعمارية من دول متعددة إذا ما أُتيحت لهم المشاركة في إعادة الإعمار فستكون تلك نقطة تحول نحو تطوير البنية التحتية السورية لتكون أكثر استدامة وابتكاراً.

تسهيلات جمركية ومبادرات حكومية

ويقترح إبراهيم أن تكون هناك مبادرات حكومية وشراكات دولية لتحقيق هذا الهدف، ولا بدّ من إرادة سياسية واضحة تتجلى في إطلاق برامج وطنية لاحتواء العائدين تشمل: تسهيلات جمركية وضريبية للمستثمرين العائدين وإنشاء صناديق تمويل لمشاريع صغيرة ومتوسطة يديرها سوريون عائدون، توفير بيئة قانونية شفافة وآمنة، تسريع إعادة الخدمات الأساسية لتشجيع الاستقرار في المناطق المستهدفة كما أن التعاون مع المنظمات الدولية والجهات المانحة يجب أن يتحول من الطابع الإغاثي إلى الطابع التنموي بما يضمن بناء قاعدة اقتصادية متينة ودائمة.
ولم ينفِ إبراهيم أنّ الهجرة الجماعية خلقت فجوات ديموغرافية ومهنية خاصة في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم، وعودة تلك الكفاءات ستسهم في إعادة بناء المؤسسات وتعزيز الاستقرار المجتمعي ووقف نزيف رأس المال البشري، حيث يمتلك 47% من اللاجئين السوريين مهارات تقنية أو أكاديمية متوسطة إلى عالية، وعودتهم تعني استعادة طاقات قد تستغرق البلاد عقوداً لإعادة إنتاجها.
وختم إبراهيم بالقول: عودة المهجّرين ليست نهاية الطريق بل بدايته، إن عودة المهجّرين واللاجئين السوريين لا يجب أن تُفهم كمجرد خطوة إنسانية بل كاستثمار إستراتيجي في رأس المال البشري والاقتصادي لسوريا، فهؤلاء يحملون مفتاح النهوض شريطة أن يُنظر إليهم كقوة منتجة قادرة على صناعة الفارق لا كعبء أو أرقام في تقارير المنظمات الدولية.. سوريا الجديدة لا تُبنى بالحجر فقط بل بالعقول، بالثقة، وبالإرادة المشتركة.

Leave a Comment
آخر الأخبار