الحرية- مها يوسف:
أقام اتحاد الكتّاب العرب فرع طرطوس محاضرة أدبية بعنوان «اللغة العربية في عيدها وما بعده»، ظهر اليوم الثلاثاء، وذلك استكمالاً للاحتفال بعيد اللغة العربية ألقتها الدكتورة فاديا سليمان في صالة فرع الاتحاد بطرطوس، بحضور عدد من المثقفين والمهتمين بالشأن الأدبي.
تناولت المحاضرة قراءة شعرية إنسانية عميقة، من خلال الوقوف عند قصيدة «الأطلال» للشاعر إبراهيم ناجي، بوصفها نموذجاً مكثفاً للتجربة الوجدانية في الشعر العربي الحديث وللتأكيد على أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل وعاء للوجدان ومرآة للروح الإنسانية، وحاضنة لتجارب الحب والألم عبر العصور.

اختيار العنوان والرؤية العامة
أوضحت الدكتورة سليمان أن الاحتفاء الحقيقي باللغة العربية لا يكتمل إلّا بالعودة إلى نماذجها الإبداعية الكبرى، والغوص في تجارب شعرية خالدة تكشف جمال اللغة وعمق التجربة الإنسانية، لذلك جاء اختيار محور «شاعر وقصيدة» بوصفه مدخلاً فنياً ووجدانياً للاحتفاء باللغة من خلال الشعر.
الشاعر والقصيدة
كما بيّنت أن الشاعر المختار هو الدكتور إبراهيم ناجي، أحد أبرز أعلام الشعر العربي الحديث، وأن القصيدة هي «الأطلال»، تلك الملحمة العاطفية التي تجاوزت زمنها وتحولت إلى أيقونة شعرية وغنائية خالدة في الوجدان العربي شعراً وغناءً.
إبراهيم ناجي وحركة الشعر الحديث
أشارت الدكتورة سليمان إلى أن إبراهيم ناجي يُعد علماً بارزاً في حركة الشعر المصري الحديث، وأحد رواد جماعة أبولو التي تأسست عام 1932 وأسهمت في تطوير الشعر العربي الحديث، ومنحته بعداً وجدانياً وفنياً، وربطته بالإنسان ومشاعره العميقة.
الاتجاه الرومانسي وملامحه
وأوضحت أن شعر إبراهيم ناجي ينتمي إلى الاتجاه الرومانسي الغنائي، حيث يطغى الحزن والأسى، وتحضر مشاعر الانطواء والوجد والهيام، إلى جانب التعلّق بالطبيعة والتشبث بالحب بوصفه ملاذاً روحياً.
الشخصية والوجدان
كذلك توقفت الدكتورة سليمان عند البعد الإنساني في شخصية الشاعر، مشيرة إلى أن حساسيته المفرطة وبنيته الجسدية النحيلة أسهمتا في تعميق إحساسه بالحزن الداخلي، وانعكس ذلك بوضوح في تجربته الشعرية. فقد كان ينشد حباً مثالياً لا يتحقق، ويبحث عن تأكيدٍ لذاته كان يفتقده في داخله وفي نظر الآخرين.
دواوين إبراهيم ناجي
وذكرت أن نتاجه الشعري تجسّد في ثلاثة دواوين رئيسة هي: «وراء الغمام»، «ليالي القاهرة»، و«الطائر الجريح»، التي عكست خلاصة تجربته الوجدانية لشاعر عاش الحلم والألم معاً.
مناسبة قصيدة «الأطلال»
أوضحت الدكتورة سليمان أن «الأطلال» جاءت ثمرة قصة حب ضائع من أيام الشباب، إذ أحبّ ناجي جارته ثم فرّق بينهما السفر، وعند عودته علم بزواجها. وبقي هذا الحب جرحاً مفتوحاً في ذاكرته، حتى وقع اللقاء المفجع حين استدعاه رجل لإنقاذ زوجته أثناء ولادة عسيرة، ليتبين أن المرأة هي حبيبته القديمة، في لحظة صادمة فجّرت القصيدة.
ولادة القصيدة
وتابعت بالقول: إن ناجي غادر المكان مثقلاً بالألم، وقضى ليلته يكتب «الأطلال» معبّراً عن حسرته، واستشهدت ببعض أبياتها التي ما زالت تهز الوجدان:
يا فؤادي رحم الله الهوى
ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم بعدما عز اللقاء
وهل رأى الحب سكارى مثلنا
الأطلال بين الجسد والروح
كما رأت الدكتورة سليمان أن القصة تجسّد حباً انتهى إلى الفقد، فصارت هي أطلال جسد، وصار هو أطلال روح، ومن هذا الانكسار وُلدت واحدة من أعظم الملاحم الشعرية في الأدب العربي الحديث.
البناء الفني ومواجهة القدر
وبيّنت أن القصيدة جاءت بصياغة بيانية مشرقة وصور شعرية متنامية، وموسيقى عميقة تعتصر وجدان المتلقي، ويقف فيها الشاعر مفجوعاً في مواجهة القدر، معترفاً بأن الغرام كان قدراً قاسياً حوّل حياته إلى مأتم دائم.
وختمت الدكتورة فاديا سليمان بالتأكيد على أن إبراهيم ناجي شاعر إنساني شديد التعاطف مع ضحايا الأقدار، يرتقي في شعره إلى عالم روحي متعالٍ، حيث يلتقي الحبيبان بعيداً عن قسوة الواقع، في بوحٍ إنساني خالد.