قرار إنهاء عقود “الفروغ” يهدد الاستقرار المهني والاقتصادي في البلاد

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- ميليا اسبر:

في خطوة صادمة لتجار دمشق، تم إصدار قرار فاجأ أصحاب المحلات التجارية والمستأجرين في دمشق، وهو القرار الذي يُنهي عقود الفروغ القديم بشكل مفاجئ، من دون إعطاء مهلة زمنية كافية لتسوية المواقف بين الطرفين.
هذا القرار يحمل في طياته تبعات اقتصادية واجتماعية خطيرة تتجاوز مجرد تغيير شروط الإيجار، ما نشهده اليوم هو خطوة تفتقر إلى الحكمة وتغفل عن العديد من الجوانب القانونية والاقتصادية، ما يهدد بتدمير الاستقرار المهني والاقتصادي في البلاد حسب ما صرح به الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس النهصة السوري عامر ديب لـ”الحريّة”.

شريعة المتعاقدين

وأشار ديب إلى أن قانون “الفروغ التجاري” الذي كان سارياً منذ عقود قد تم إقراره في ظل ظروف اقتصادية وسياسية مختلفة، حينها كان سعر الصرف لا يتجاوز 45 ليرة سورية، وكان المبلغ المدفوع مقابل الإيجار وحق الانتفاع يعادل قيمة كبيرة في السوق، لكن اليوم، مع التضخم الحاد وارتفاع أسعار العقارات أصبحت تلك العقود قديمة جداً ولا تتناسب مع الواقع المعاش. مضيفاً: لا يمكننا في الوقت نفسه تجاهل مبدأ أساسي في القانون وهو “العقد شريعة المتعاقدين” هذا المبدأ يعني أن أي تعديل أو إلغاء لعقد يجب أن يكون بموافقة الطرفين، وليس بقرار فجائي من جانب واحد، المالك كان لديه الحق في رفع الإيجار أو الاعتراض على العقد، لكن القرار الحكومي لم يراعِ هذه الحقوق ولم يُقدم فرصة حقيقية للتفاوض أو التسوية بين الطرفين.

التأثيرات الاقتصادية

وأوضح ديب أن أصحاب الفروغ القديمة هم ليسوا مجرد مستأجرين عاديين، بل أصحاب مهن وتجارات قائمة على سنوات من الخبرة والعلاقات، هؤلاء التجار يمثلون شرياناً حيوياً للاقتصاد المحلي، والمفاجأة في القرار قد تعني تدمير مصدر رزقهم، وهجرة مئات المحلات إلى المجهول، لافتاً إلى أنه بغض النظر عن الرغبة في تحسين الأسواق أو تنظيم القطاع العقاري، فإن هذا الإجراء المفاجئ سيؤدي إلى تدهور إضافي للاقتصاد، مع تزايد البطالة وارتفاع الأسعار، أما الأسواق التجارية في دمشق وحلب التي تضم أقدم الورشات والمحلات، ستعاني من تراجع خطير في حركة البيع والشراء، وهو ما يضر بالتأكيد في مصلحة الجميع.

فشل دور غرفة تجارة دمشق

من المؤسف أن غرفة تجارة دمشق التي تمثل تجار العاصمة لم تأخذ موقفاً واضحاً في مواجهة هذا القرار، حيث كان من المتوقع أن تلعب الغرفة دوراً ريادياً في حماية حقوق التجار وأصحاب المحلات، وأن تسعى إلى تقديم حلول وسطية تضمن الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، كذلك كان عليها أن تُطالب بمنح مهلة انتقالية لأصحاب العقود القديمة تمتد لعام كامل، بحيث يمكن للطرفين (المالك والمستأجر) التوصل إلى تسوية تحفظ حقوق الجميع، وترفع التسوية إلى الدوائر العدلية المختصة لتُعتمد رسمياً.

عقد التسوية هو أفضل ضمان قانوني لحل النزاعات ويُفترض أن يبقى سارياً رغم تغير الظروف.

التسوية والمرونة

ويرى ديب أنه في مواجهة هذا المأزق، لا بد من تقديم حلول مرنة تضمن تسوية عادلة لكل الأطراف، الحل الأمثل هو منح مهلة عام كاملة لأصحاب الفروع القديمة للتوصل إلى اتفاق مع مالكي العقارات، وتقديم عقود تسوية رسمية معتمدة من الجهات العدلية.

ديب: تعديل أو إلغاء أي عقد يجب أن يكون بموافقة الطرفين لا بقرار فجائي ومن جانب واحد

هذا الإجراء لا يضر بمصلحة المالك ولا بمصلحة المستأجر، بل يوفر استقراراً اجتماعياً واقتصادياً يستفيد منه الجميع، مضيفاً إلى أن قرارات السياسة الاقتصادية يجب أن تراعي الواقع الاجتماعي والتجاري، وأن تتسم بالتدرج والمرونة، لا أن تأتي بشكل مفاجئ يُفضي إلى فوضى اقتصادية تضر بالكل، مؤكداً أن القرار الأخير يُعتبر ضربة قاصمة لقطاع التجارة في سوريا، ومن غير المنطق اتخاذه من دون مراعاة التأثيرات الجانبية على السوق، كما يجب على الجهات المختصة أن تتحلى بالحكمة والمرونة، وأن تُعيد النظر في هذا القرار، وأن تفتح المجال لأصحاب الفروغ القديمة للوصول إلى تسوية قانونية تحفظ الحقوق وتضمن الاستقرار الاقتصادي للبلاد.
وختم ديب بالقول: من غير المقبول أن يُترك العديد من التجار في مهب الريح، وأن تُتخذ قرارات من دون دراسة عميقة لتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، منوهاً بأن الأمن الاجتماعي والاقتصادي يجب أن يكونا أولويتنا في هذه المرحلة، وسد الذرائع واجب على الجميع، آملاً أن تكون هناك حلول لتفادي هذه الأزمة.

Leave a Comment
آخر الأخبار