الحرية- لمى سليمان:
يشكل الاتفاق الذي عقدته الحكومة السورية مع قوات سوريا الديمقراطية في العُرف السياسي انتصاراً للدم و لسنين المعاناة من الظلم والتعنت، أما في العرف الاقتصادي، فيمثل مفتاح التشغيل الأساسي لعربة الاقتصاد، التي ومن بعد عرقلتها لسنين طويلة، بدأت تخطو بحذر وببطء بغياب العامل الرئيس، وهو النفط.
ويشكل النفط الموجود في الجزيرة السورية ما يقارب 90% من مجمل النفط السوري، وتحتوي على أهم الآبار النفطية، ومنها حقل العمر، الأكبر في سوريا ويقدر إنتاجه حالياً بـ 20 ألف برميل يومياً، والتنك وجفرا وغيرها من الحقول النفطية، إضافة إلى أهم حقول الغاز الطبيعي، مثل حقل كونيكو في دير الزور والسويدية في الحسكة.
ولذلك، فإن عودة هذه الآبار للضخ في شريان سوريا قاطبة، ستعيد خلط ومن ثم ترتيب الأوراق على الطاولة الاقتصادية السورية، وذلك بغياب المعرقل الرئيس للاقتصاد والمنشآت الاقتصادية، وهي المحروقات، إضافة إلى البعد الدولي الذي تمثله عودة الشركات الخارجية التي تطمح إلى استثمار النفط و الغاز السوري، وبالتالي تخفيض الاستيراد للمحروقات وخفض أسعارها محلياً وتشغيل الخبرات السورية.
وبحسب الباحث الجيولوجي الدكتور مصطفى عتقي في حديثه لصحيفة الحرية، فإن هذا الاتفاق لا ينحصر في كونه اتفاقاً محلياً مصغراً، وإنما يتعدى البقعة الجغرافية المحلية ليكون دولياً، لكون النفط الموجود في الشمال الشرقي لسوريا والمتوافر بكميات غزيرة، كان يتم استثماره منذ زمن، ولكن بكميات بسيطة جداً. والآن وبعد إتمام هذا الاتفاق المفيد جداً لسوريا و عودة الجزيرة إلى حضن الدولة السورية و عودة آبار النفط، أصبح بالإمكان إنشاء لجان من الخبراء وذات الصلة الخارجية للعمل على مشاركة الشركات النفطية الخارجية والدولية في استثمار النفط السوري القادم من الجزيرة، و بالتالي سيكون الفاتحة لاستقرار حالة المحروقات في سوريا وزيادة العائدات المالية الواردة من الاستثمارات النفطية، إضافة إلى تشغيل نسبة كبيرة من الشباب السوري و اكتسابه الخبرة العملية في المجال البترولي والتي بالفعل نفتقدها في سوريا.
ويبين د. عتقي أن هذا الاتفاق الذي يقضي بإعادة توزيع الثروة البترولية هو اتفاق مجزٍ لكل الأطراف، إذ بالإمكان الآن الاستفادة من جزء من هذه العوائد البترولية لتنمية وتطوير المنطقة الشرقية، والبقية توزع في كافة المناطق السورية لدفع العجلة الاقتصادية وتحريك الشركات والمعامل المتوقفة.
ويشدد د. عتقي على أن سوريا، وفي أغلب مناطقها من الجزيرة إلى الساحل وحتى تدمر، هي خزان بترول و غاز طبيعي لا ينضب، والدراسات القديمة والحديثة تثبت تواجداً غنياً للنفط والغاز الطبيعي في عدة مواقع في سوريا ويبقى فقط استثمارها سورياً ودولياً.
وبدوره، يرى المحلل الاقتصادي الدكتور عمار اليوسف في حديثه لصحيفة الحرية، أنه لو افترضنا أن هذا الاتفاق سيحل مشكلات النفط في سوريا ومشكلات الاحتياجات النفطية المطلوبة ضمن السوق السورية، فإنه من الواجب أن نتذكر أن إنتاج النفط السوري بشكل عام غير كافٍ لسوريا، فلا بدّ من الاستيراد، وخاصة بعض المشتقات النفطية مثل البنزين، الذي نعتمد على استيراده بشكل أساسي.
وبحسب د. اليوسف، فإن الاتفاق بالطبع سيحل أزمة كبيرة، ولكن ليس لدرجة أن يصبح كل شيء متوفراً أو أن ينخفض السعر للدرجة التي يعتقدها البعض، وسنبقى للأسف معتمدين على الاستيراد الخارجي لتوفير المشتقات النفطية، لكون البنى التحتية التي تقوم عليها القطاعات النفطية في الشمال السوري كانت مرتبطة إلى حدٍّ كبير ببلدان الجوار، وتتجه إلى سوريا بالصهاريج فقط وبأسعار معينة وضمن تقنين معين.
ويجب ألّا ننسى، كما يوضح د.عمار، أن هناك حصصاً في النفط السوري لدول أخرى مثل أمريكا و تركيا.