قطاع واعد بإخراج الاقتصاد السوري من “عنق الزجاجة”.. وصفة خبير لترميم شريان التجارة الخارجية

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحريّة- نهى علي:

ثمة تساؤلات مشروعة.. والإلحاح في البحث عن إجابات لها مشروع أيضاً، في ظل حالة العصف الذهني التي تعتري سوريا اليوم في تحرّي المقومات التي يمكن العمل عليها لتحريك عجلة الاقتصاد.
بعض خبراء الاقتصاد يذهبون باتجاه إصلاحات نقدية.. وآخرون يلوذون بالقطاع الزراعي.. وصنف ثالث يرى في التصنيع التحويلي المعتمد على المدخلات المحلية نافذة خلاص.. ونوع رابع يركز على قطاعات نوعيّة بعينها، ولعل الاختصاص هنا يلعب دوره في توجيه الرؤى، وهذا وارد جداً – بل مطلوب- في توثيق وبلورة زخم الأفكار الكثيفة التي ينتجها “العقل السوري” المشهود له بحكمة وسداد الطرح.
رؤى متباينة الخيارات لكنها كلها تصب في المنحى الإصلاحي، وفي اتجاه اجتراح آفاق إيجابية من تلك التي يصبو إليها كل السوريين.
فالدكتور إيهاب اسمندر الخبير الاقتصادي ومدير أسبق في قطاع التجارة الخارجية، يفضل أن تكون بداية التركيز على معالجات تخص قطاع التجارة الخارجية، الذي يبدو بحاجة لإصلاح جذري من وجهة نظره.

* د. اسمندر: إلغاء جميع الرسوم الجمركية وتوحيدها لرسم لا يتجاوز 2.5 إلى 3%

خلل ذهاباً وإياباً

في حديثه لصحيفتنا “الحريّة” يرى د. اسمندر أن التجارة الخارجية السورية تعاني ومنذ سنوات من تدهور؛ تعكسه الأرقام المرتبطة بحدّي التبادل، فالصادرات السورية تراجعت بين عامي 2011 و2024 بحوالي 98%؛ من 12 مليار دولار تقريباً إلى حوالي 1.2 مليار دولار فقط (كان من أهم أسباب تراجع الصادرات السورية؛ توقف الشركات السورية عن الاستثمار في النفط السوري ما أدى لتراجع إنتاجه وخروجه من قائمة الصادرات وهو الذي كان يشكل أكثر من 50% منها).
في المقابل تراجعت المستوردات السورية من حوالي 18 مليار دولار في عام 2011 إلى 4 مليارات دولار تقريباً في عام 2024. وانخفاض المستوردات بهذا الشكل له تأثير سلبي كبير على الاقتصاد السوري لا يقل خطراً عن تراجع الصادرات؛ لأن النقص الكبير في المستوردات؛ يحرم البلاد من سلع كثيرة ويؤثر على المعروض السلعي؛ بالتالي تزيد فرص الاحتكار؛ ومع النقص الكبير في المستوردات يعاني المنتجون من عدم توفر المواد الأولية؛ وقطع الغيار اللازمة، ويضيف: في دراسة لنا لعام 2023 عانى 43% من أصحاب المنشآت السورية من عدم توفر قطع غيار لآلاتهم وخطوط إنتاجهم؛ ما أدى إلى انخفاض إنتاج بعض المنشآت أو توقفها في كثير من الأحيان).

* إلغاء كل المعاملات التقييدية لمعاملات التصدير والاستيراد وتبسيط الإجراءات الجمركية وتسخير التكنولوجيا لخدمة الشفافية

خطأ بنيوي

ويأخذ الخبير الاقتصادي اسمندر على الحكومات السابقة في سوريا، أنها أخطأت في التعاطي مع ملف التجارة الخارجية بعقلية تقليدية لا تراعي الاحتياجات الحقيقية للقطاع (من مثل تقييد الاستيراد ومنع استيراد الكثير من المواد؛ تعقيد الحصول على القطع الأجنبي، واتباع آلية تمنع المستوردين من الحصول على القطع اللازم، إذ تسببت منصة التمويل برفع التكلفة لأكثر من 30% على المستورد؛ إلى جانب الإفراط في إقحام الجمارك بالتدخل في النشاط التجاري استناداً إلى القانون 38 لعام 2006 ما تسبب في أضرار كبيرة على المستوردين والمصدرين وزيادة الفساد).

* ترك السوق يعمل بحرية ليتمكن من تنظيم نفسه.. ودور الحكومة إشرافي مرن

تنافسيّة هشّة

ولم ينسَ د. اسمندر الإشارة إلى أن تردي البنية التحتية في البلد لا سيما في مجال النقل وعدم جاهزية المطارات والمرافئ والمراكز الحدودية ساهم بضعف القطاع.
فبرأيه إن الوضع في سوريا والإجراءات الإدارية جعلت البلد غير منافس في مجال التجارة الخارحية؛ فبحسب تقرير سهولة أداء الأعمال الصادر عن البنك الدولي؛ تكلف حاوية التصدير 1113 دولاراً وحاوية الاستيراد 513 دولاراً في سوريا؛ بينما تكلف حاوية التصدير 137 دولاراً، وحاوية الاستيراد 98 دولاراً في دول OECD؛ أما من حيث الوقت فتستغرق معاملة التصدير 84 ساعة ومعاملة الاستيراد 94 ساعة في سوريا؛ بينما تستغرق معاملة التصدير 12.7 ساعة ومعاملة الاستيراد 8.5 ساعات في دول OECD؛ والكثير من المؤشرات الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها.

بنى مهتلكة

تعاني سوريا من هشاشة البنى التحتيّة المخدّمة لقطاع التجارة، والأثر البالغ الذي خلّفه هذا العامل بشكل واضح.
وهنا يقول الخبير اسمندر: لابد أن نذكر تأثير تراجع البنية التحتية؛ لا سيما في مجال النقل؛ فالموانئ والمراكز الحدودية والمطارات كلها لا تسمح بجعل سوريا بلداً مهماً في قطاع التجارة الخارجية.

وصفة علاج شاملة

يقترح الخبير اسمندر العديد من النقاط التي قد تكون مهمة لتحسين حالة التجارة الخارجية في البلد، مثل إلغاء جميع الرسوم الجمركية المعقدة والكثيرة، واستبدالها برسم واحد بسيط لا يتجاوز 2.5 إلى 3% على جميع السلع.
ثم وقف جميع الإجراءات التقييدية مهما كانت على كل معاملات التصدير والاستيراد ووقف جميع المدفوعات بغض النظر عن تسميتها.
وتبسيط الإجراءات الجمركية واستخدام التكنولوجيا المتقدمة في هذا المجال لزيادة الشفافية وتوفير الوقت والجهد.
إلى جانب تطوير البنية التحتية الخاصة بالنقل في المطارات والموانئ والمراكز الحدودية مع تطوير قطاع النقل بكل أشكاله (البري، البحري، الجوي والسككي) بالتعاون مع شركات عالمية مشهودة في هذا المجال.
وترسيخ سيادة القانون على الجميع بشفافية، وعدم منح أي مزايا لاشخاص محددين دون غيرهم.
والمهم ترك السوق يعمل بحرية ليتمكن من تنظيم نفسه والاكتفاء من قبل الحكومة بدور إشرافي مريح.
في العموم.. يعتبر اسمندر تطوير قطاع التجارة الخارجية في سوريا أساسياً لتطوير الاقتصاد السوري وبالتالي لتحسين جودة حياة السوريين؛ وهذا لن يحصل بشكل عفوي بل يحتاج لجهود استثنائية ولعقلية إدارية نوعية جديدة للتعامل مع القطاع واحتياجاته.

Leave a Comment
آخر الأخبار