الحرية- سامي عيسى:
على مدى أكثر من عقدين ونصف من الزمن، وأنا أتابع – بحكم مهنتي الإعلامية- “رغيف الخبز” وطريقة تصنيعه من ألفه إلى يائه، الرغيف مازال على حاله، لكن المتغير كل أدوات تصنيعه، بدءاً من الدقيق، مروراً بالإنتاج ومكوناته، وصولاً إلى الإدارة، حتى يصبح منتجاً جاهزاً للاستهلاك .
وهنا أريد اليوم التركيز على مسألة في غاية الأهمية لم تستطع كل الحكومات السابقة إيجاد حل لها “صراع المكونات” رغم الاجتهادات، وكثرت القرارات والآراء، وجهابذة تلك الفترات، إلا أنها بقيت تثير الجدل في أوساط أهل الإدارة، والقائمين على العملية الإنتاجية، ومن يوفر هذه المكونات من دقيق ومحروقات، وكهرباء وملح ومياه وعمالة، وغير ذلك، لكن المكون الأكثر جدلية يكمن في طريقة الإنتاج وإدارته نظام ” الإدارة أم الإشراف..؟!” دون تجاهل اتفاق الجميع على رغيف خبز منتج بجودة عالية، وهو القاسم المشترك الذي يتفق عليه الجميع، مع اختلافهم إلى حد بعيد في المكونات الأخرى..!
والذي يدلل على ذلك حتى تاريخه رغيف الخبز عند الإشراف ليس كما هو عند الإدارة، رغم تحسنه كثيراً لدى مخابز الإدارة خلال المرحلة الحالية، والجميع يدعي الجودة، لكنها “حمالة أوجه” والنظرة إليها تختلف من منتج لآخر، رغم خصوصيتها وشراكة الجميع في مكوناتها، بمعادلة أطرافها ثلاثة: ” خاص- عام بنظامين: إشراف وإدارة”، الأمر الذي يفرض على أرض الواقع حالة تنافسية، لا ترقى إلى حدود المنافسة الفاعلة، التي تفرض وجودها في السوق، لاعتبار واحد “يكمن في كونها السلعة الوحيدة المنتجة” وصاحبة الاستهلاك المباشر الذي لا يسمح بخيارات استهلاك أكثر امام مستهلكيها، وهذا يؤمن حالة الاستقرار لدى منتجيها فقط ..!
وبالتالي هذا من حيث الشكل للمعادلة، وحالة الاختلاف المذكورة، أما من حيث المضمون فنحن متفقون جميعاً على الجودة وأنظمة التشغيل وهذا الاتفاق يحمل أبعاد صحيحة وواقعية، تعيد إلى أذهان الجميع استقرار هذا القطاع لسنوات طويلة، وما أحدثته من خلل واضح ليس في قطاع الرغيف فحسب، بل في جميع القطاعات الاقتصادية والخدمية وغيرها ..!
لكن رغم ذلك هناك الكثير من الأسئلة يروي قصصها المواطن الذي يضيع، بين اختلاف الجودة من مخبز لآخر، سواء أكان احتياطياً أم آلياً، وحتى ما ينتج لدى الخاص، وما يثير ذلك من جدل واسع حول الجودة، وطريقة الإنتاج، وكيفية التعاطي مع مستلزمات الإنتاج ومحسوبيات تأمينها، وغير ذلك كثير من شوائب هذا القطاع الذي أرهقته حسابات المنفعة خلال العقود الماضية..!
لكن المسألة التي كانت تخفف الوجع عن المواطن هي “سعر المادة المدعومة” من الدولة، حيث كانت تقدم بسعر زهيد، يخفف الكثير من أعباء المعيشة، رغم كل سرقاتها المخفية والظاهرة، واليوم ضبطت عملية الإنتاج، والهدر فيها، والكثير من عمليات فسادها، لكن أصبحت عالة على المواطن، لأن إجراءات الضبط لم تحسن من الواقع شيئاً، لا على مستوى المواطن الذي بات يشتري الربطة بسعر 4000″ ليرة” رافقها صغر الحجم، وزيادة في استهلاك الأسرة، دون أي تعديل للدخل، ولا من حيث أهل الإنتاج ومشاكل زيادة السعر، ونقص الوزن وغيرها من تبعات سلبية وقع فيها المنتجون، وهذه مسألة تفرض إعادة نظر في مسألة إنتاج الرغيف، وتأمين مستلزماته، وحتى آلية التسعير، والاستمرار بهذه الصورة نحن قادمون إلى مشكلة كبيرة “مضمونها رغيف الخبز” وتدهور حالتها الإنتاجية وصعوبة تأمين أبسط مكوناته.
والسؤال هنا: هل تستطيع الحكومة والجهات التابعة حل المشكلات المتعلقة بانتاج رغيف الخبز وتأمين المواد الأولية ..؟!
نأمل تحقيق ذلك..