كارثة أثرية.. حمّى البحث عن الذهب المدفون تجتاح المحافظات السورية

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – بشرى سمير:

في أعقاب سقوط النظام البائد وتراجع قبضة الدولة على مختلف المناطق، انتشرت في أنحاء البلاد ظاهرة لافتة وغريبة، وهي التنقيب العشوائي عن الذهب والكنوز المدفونة. تحوّلت الأراضي الزراعية وبعض المناطق القريبة من المواقع الأثرية إلى مسارح مفتوحة للبحث عن الثراء السريع في بلد أنهكه الفقر والحرب، وما كان يوماً مجرد حكايات تروى على لسان الأجداد، تحوّل اليوم إلى واقع ملموس في ريف دمشق.

أصبح أسهل

يقول محمد الديراني: كنا نسمع قديماً عن كنوز مدفونة تعود للعهد العثماني، لكن كنا نخشى التنقيب خوفاً من الاعتقال. اليوم بعد سقوط النظام البائد أصبح التنقيب أسهل وأجهزة كشف المعادن متوفرة علناً في الأسواق.
فيما تشير عبير إلى أنها ذهبت إلى أحد مفسري الأحلام بعد رؤيتها حلماً عن وجود ذهب في أحد مناطق دمشق الزراعية وأخبرها بأن المنطقة “مرصودة” وبحاجة إلى فك الرصد.

وجدت أرضاً خصبة

ويشير محمد عبد الرحمن البالغ ثمانين عاماً إلى أنه منذ كان فتى يافعاً، كان يسمع عن وجود “دفائن” من الذهب العثماني أو الروماني أو صناديق مملوءة بالتحف الرومانية والبيزنطية، وكانت فيما مضى محاولات للبحث عنه، لكنها باءت بالفشل. مضيفاً: يبدو هذه الأساطير الشعبية وجدت أرضاً خصبة لدى فئة واسعة من السوريين الباحثين عن النجاة من شظف العيش.
ولفت إلى أنه في بعض الحالات يشترك في عمليات الحفر أناس مزودون بأجهزة حديثة للكشف عن المعادن، إضافة إلى وجود رجل قال إنه خبير بإبطال الرصد للكنز المدفون، أي يفكون الطلاسم الروحية التي يُعتقد أنها تحرس الكنوز.

إقبال على اقتناء أجهزة الكشف

من جانبه، مروان دعبول تاجر لأجهزة كشف المعادن بين أنه بعد سقوط النظام هناك إقبال على اقتناء أجهزة كشف المعادن التي كانت ممنوعة في السابق، وأصبحت تباع علناً بأسعار تصل أحياناً إلى 10 آلاف دولار حسب نوعية كل جهاز أو يمكن استئجارها ليوم واحد بأسعار تصل إلى مليون ليرة، وأن الزبائن يأتون من مختلف المحافظات،ووخاصة التي يوجد فيها آثار رومانية وعثمانية.

ويرى الدكتور محمد البني أستاذ متقاعد من قسم التاريخ في جامعة دمشق أن ما يجري هو كارثة أثرية، وما يحدث هو عبث علمي وتاريخي. هؤلاء الحفارون الذين يحفرون في مواقع أثرية هم هواة وجهلة، أفسدوا مواقع كان يمكن أن تسهم في إعادة كتابة تاريخ المنطقة، منوهاً بأن مواجهة هذه الظاهرة لا تقتصر على إنزال العقوبات وتشديد الرقابة، بل تتطلب معالجة جذرية لأسبابها فمع انعدام الفرص الاقتصادية يصبح الذهب الوهمي طريقاً للهروب من الفقر وطالب بإطلاق حملات توعية وطنية حول خطورة التنقيب العشوائي عن التراث السوري، إلى جانب تنظيم عمليات التنقيب ضمن أطر قانونية تشارك فيها المجتمعات المحلية وتعود بالفائدة عليها.
وأضاف البني: منذ عام 2011، تعرّضت مواقع أثرية كبرى مثل تدمر، أفاميا، ودورا أوروبوس للنهب والتدمير. وتُقدّر منظمة اليونسكو أن نحو 40% من المواقع الأثرية السورية تعرضت للسرقة أو التخريب. ويُعتقد أن نحو 300 ألف قطعة أثرية إما سُرقت أو دُمّرت خلال سنوات الحرب، كثير منها تم تهريبه عبر تركيا إلى أسواق سوداء دولية، ورغم تشديد القانون السوري للعقوبات المتعلقة بالآثار، إلا أن الواقع يُظهر فجوة واسعة بين التشريع والتنفيذ، حيث ينص القانون المعدل على عقوبات تصل إلى 25 سنة سجناً للمهربين و10 إلى 15 سنة لمن يتلف أو يسرق الآثار، بل حتى من ينقّب في أرضه الخاصة من دون ترخيص يعتبر شريكاً في الجريمة. ورغم ذلك فإن ضعف الرقابة وتشتت السلطات بعد سنوات الصراع، جعل من تطبيق هذه القوانين أمراً بالغ الصعوبة.

Leave a Comment
آخر الأخبار