الحرية- رنا بغدان:
من لآلئه التي نَظمَته وجواهره وأحجاره المختارة اتخذ “العقد الفريد” عنوانه البرّاق ومحتواه الممتع المتنوع حتى أضحى ثروة معرفية قيّمة، فذاع صيته وأصبح من أمهات الكتب العربية المرجعية والشمولية الموسوعية لجمعه بين المختارات الشعرية والنثرية ولمحات من التاريخ والأخبار مع الأخذ بنظرات في البلاغة والنقد مع شيء من العروض والموسيقا وإشارات للأخلاق والعادات والأحداث الهامة والشخصيات المؤثرة.. مع التركيز على الجودة الفنية والأسلوب البليغ.
كتاب “العقد الفريد” لابن عبد ربه الأندلسي الذي هدف من تأليفه إلى نقل معارف المشرق إلى الأندلس بغية سدّ الفجوة المعرفية بين الأندلس والمشرق، حيث لم يكن للأندلسيين في ذلك الوقت اطلاع كافٍ على ثقافة وعلوم أهل المشرق, إضافة إلى توفير مرجع شامل لأهل الأندلس يضم معارف وعلوم وآداب المشرق، مع التركيز على الأدب والسياسة والأخبار والتاريخ, فقد أراد أن يقدم من خلاله للأندلسيين مادة معرفية وافية عن تراث وثقافة أهل المشرق لتكون بمثابة “عقد” يضم جواهر المعرفة ويسهم في إثراء الثقافة العربية بالمعلومات والأفكار والقيم التي يقدمها.
اشتُهر الكتاب باسم “العقد الفريد” إلا أن بعض النقّاد قالوا بأن اسم الكتاب هو “العقد” فقط، وأن كلمة “الفريد” أضيفت فيما بعد, كما قيل بأن الأبشيهي صاحب كتاب “المستطرف في كل فن مستظرف” كان أول من أضاف كلمة “الفريد” إلى كلمة “العقد” دلالة على مدى إعجاب الأدباء بمادته وتفرّده. وقد سُمي بـ”العقد” لأن مؤلفه اختار أفضل ما وجده من الأدب والعلوم، مع التركيز على حسن الاختصار والتنظيم والتبويب، ما يسهل على القارئ الوصول إلى ما يبحث عنه, فقد قسّمه إلى بابين وخمسة وعشرين كتاباً حمل كل منها اسم حجر كريم، كـ”اللؤلؤة, الفريدة, الزبرجدة, الجمانة, المرجانة, الياقوتة, الجوهرة, الزمردة, الدرة, اليتيمة, المجنبة, العسجدة.. مما تناول عقود الحسان.. واختصت كل جوهرة في تقديم وعرض مجال معين كـ اللؤلؤة في السلطان, الجمانة في الوفود, الياقوتة في العلم والأدب, الجوهرة في الأمثال, الدرة في المعازي والمراثي, اليتيمة في النسب وفضائل العرب, الفريدة في الحروب ومدار أمرها…
ويقول ابن عبد ربه في المقدمة عن محتوى كتابه:
“ألفتُ هذا الكتاب وتخيّرتُ جواهره من متخير جواهر الأدب ومحصول جوامع البيان، فكان جوهر الجواهر ولباب اللباب، وإنما لي فيه تأليف الاختيار وحسن الاختصار وفرش لدور كل كتاب، وما سواه فمأخوذ من أفواه العلماء ومأثور عن الحكماء والأدباء”.
نال الكتاب شهرة واسعة في عصره، واعتبر إلى يومنا هذا مرجعاً مهماً للأدب العربي في الأندلس, ومع أن مؤلف الكتاب أندلسي فإن أكثر ما نقله كان من أخبار أهل المشرق، ويحكى أنه لما سمع الصاحب بن عباد عن “العقد” سعى في طلبه حتى إذا حصل عليه قال: “هذه بضاعتنا رُدّت إلينا”، إشارةً إلى ما فيه من ثقافة مشرقية متنوعة المواضيع ما جعله مادة شائقة للقارئ.