الحرية- أمين سليم الدريوسي:
لم تكن كلمة الرئيس أحمد الشرع مساء أمس مجرد حديث سياسي عن معركة أو نصر، بل حملت في طياتها دعوة إنسانية عميقة وهي أن الدين الذي في عنق السوريين لحماة لا يُسدّ بالمال وحده، وإنما بالحب والإخاء والتعايش، هنا تتجاوز الكلمات حدود السياسة لتلامس جوهر التجربة الإنسانية التي عاشتها المدينة وأهلها.
ولم تكن كلمة الرئيس أحمد الشرع في حملة «فداء لحماة» مجرد كلمات عابرة، بل محاولة لإعادة صياغة العلاقة بين السوريين وحماة، بين الماضي الأليم والحاضر المأمول، إذ شدّد الشرع على أن حماة قدّمت درساً عظيماً للأمة في التضحية والفداء، وأن هناك ديناً في عنق السوريين تجاهها، دين لا يُسدّ بالمال وحده وإنما بالحب والإخاء والتعايش، بهذا المعنى، تتحول العلاقة مع المدينة إلى التزام أخلاقي يفرض على الجميع أن يترجموا التضامن إلى فعل بناء.
كما وسّعت الكلمة دائرة المعنى لتجعل جرح حماة جزءاً من الذاكرة الجمعية للأمة، لا مجرد تجربة محلية، فالمعاناة التي امتدت لأكثر من أربعين عاماً لم تكن تخص أهل المدينة وحدهم، بل كانت تعني كل السوريين والعالم العربي والإسلامي وأصحاب الضمائر الحية، بهذا يصبح حضور السوريين في هذه المناسبة إعلاناً عن وحدة الذاكرة ووحدة المصير، وتحويل الألم إلى قوة رمزية تتجاوز حدود المكان والزمان.
وفي استدعائه لمعركة «ردع العدوان»، أشار الرئيس الشرع إلى أن تحرير حماة كان فارقاً كبيراً في مسار المعركة، لكنه اعتبر أن القيمة الأهم تجسدت في شعار «نصر لا ثأر فيه»، هذا الشعار يضع الانتصار في إطار أخلاقي نادر، حيث يتحول من فعل عسكري إلى قيمة إنسانية، ويؤكد أن الانتصار الحقيقي هو الذي يفتح الطريق أمام التعايش لا أمام الثأر.
كما قدّمت كلمة الرئيس حماة كمدرسة في التضحية والصبر والتحرير، وأيضاً في التعالي على الجراح والنظر إلى الأمام دون أن يعني ذلك نسيان الماضي، فالمستقبل، كما شدّد، لا يُبنى على استدعاء الألم بل على تحويله إلى قوة دافعة نحو المصلحة العامة. بهذا تصبح حماة درساً جماعياً يعلّم السوريين كيف يتجاوزون الماضي ليصنعوا المستقبل.
الكلمة للرئيس الشرع انتقلت من الرمزية إلى العملية حين أعلن الشرع أن زمن البناء والإعمار قد بدأ، وأن المال الذي جُمع ليس هو الأهم، بل وحدة السوريين وتضافر جهودهم، بهذا يصبح البناء فعلاً سياسياً وأخلاقياً في آن واحد، لا مجرد عملية اقتصادية.
ولم يقتصر الرئيس الشرع على حماة وحدها، بل وسّع الدائرة لتشمل كل المحافظات السورية، مؤكداً أن شعباً فيه مثل أهل حماة وحمص وإدلب ودير الزور والحسكة والرقة ودرعا وحلب واللاذقية وطرطوس والسويداء والقنيطرة، هو شعب جدير بأن يبني بلداً مزدهراً وعظيماً وأن يباهي العالم بسوريا القادمة، بهذا الطرح تتحول المسؤولية إلى مسؤولية وطنية شاملة، ويصبح البناء مشروعاً جماعياً يليق بالتضحيات.
كما وضعت كلمة الرئيس حماة أيضاً في موقع النموذج، مؤكداً أنها قادرة أن تتعايش مع نفسها ومع الآخرين، وأنها تقدم للعالم درساً في إمكانية التعايش رغم الجراح. بهذا تتحول المخاوف من الانقسام إلى قوة رمزية، ويصبح حضور حماة إعلاناً أن التعايش ممكن وأن الانقسام ليس قدراً محتوماً.
وفي حديثه عن ريف حماة الشمالي، أشار الشرع إلى دوره العظيم في الثورة السورية المباركة، والثمن الباهظ الذي دفعه من خلال هدم القرى والمدن والبنى التحتية، لكنه شدّد على أن إعادة الإعمار هي امتداد طبيعي للثورة نفسها، وأن المشاركة في البناء فعل وفاء لا مجرد مشروع عمراني، وبهذا يصبح الحضور في إعادة الإعمار حضوراً في أخلاق الثورة، وإعلاناً أن التضحية لا تُترك بلا ردّ، بل تُترجم إلى إعادة حياة وكرامة.
كلمة الرئيس الشرع تقدّم حماة كرمز إنساني جامع، من التضحية إلى البناء، من الجرح إلى التعايش. رمزية الحضور في هذه الكلمة أن السوريين حين يجتمعون في هذه الفعاليات، فإنهم لا يستعيدون الماضي فقط، بل يعلنون استعدادهم لصناعة مستقبل يقوم على الوحدة والتكافل. بهذا المعنى، يصبح جرح حماة بدايةً لشفاء وطني، وحضورها في الذاكرة الجماعية هو حضور في مشروع سوريا القادمة.