كيف تستعيد الزراعة في الساحل مكانتها في الاقتصاد الوطني؟.. الحمضيات نموذجاً

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – نهلة أبو تك:

تدخل الزراعة في الساحل السوري مرحلة دقيقة، تتداخل فيها التحديات المتراكمة مع توجّه حكومي واضح لإعادة الاعتبار لهذا القطاع بوصفه أحد أعمدة الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية، وفي محافظة كاللاذقية، حيث تتوافر الأرض الخصبة والمناخ المعتدل والمياه، تبدو الفرصة قائمة لإعادة بناء الدور الاقتصادي للزراعة، إذا ما جرى التعامل معها ضمن رؤية متكاملة تجمع بين الدعم والتنظيم والاستثمار.

صعوبات واقعية تواجه المزارع

لا تزال كلفة الإنتاج الزراعي تشكّل التحدي الأكبر أمام مزارعي الساحل، في ظل ارتفاع أسعار الأسمدة والبذار ومستلزمات الزراعة، إلى جانب تأثيرات الجفاف على الإنتاج. هذه العوامل، وإن كانت خارجة عن السيطرة المباشرة في كثير من الأحيان، جعلت استمرار الزراعة عبئاً اقتصادياً على شريحة واسعة من المزارعين.

ويرى الدكتور مازن فريج، الخبير في الاقتصاد الزراعي، أن هذه الصعوبات تتطلب استجابة مدروسة، موضحاً أن تخفيف كلفة الإنتاج عبر الدعم والتسهيلات يشكّل الأساس لأي سياسة زراعية ناجحة، لأنه يحمي المزارع ويمنحه القدرة على الاستمرار.

من دعم الإنتاج إلى حماية السوق

بحسب فريج، فإن دعم المزارع لا يكتمل عند حدود توفير مستلزمات الإنتاج، بل يجب أن يمتد إلى تنظيم السوق الزراعي، من خلال تسعير عادل، وآليات شراء واضحة، وتوسيع قدرات التخزين والتوضيب. وأكد أن التوجّه الحكومي الحالي نحو دعم القطاع الزراعي يفتح المجال لإعادة ضبط هذه الحلقة، بما يضمن استقرار دخل المزارع ويحدّ من الخسائر الموسمية.

الحمضيات.. المحصول الاستراتيجي في الساحل

تُعد الحمضيات المحصول الأبرز في الساحل السوري، وتشكل ركيزة أساسية للاقتصاد الزراعي في اللاذقية. إلا أن هذا المحصول، رغم وفرة إنتاجه وجودته، يواجه تحديات مزمنة تتعلق بتسويق الفائض وغياب التصنيع. ويشير فريج إلى أن مشكلة الحمضيات ليست في الإنتاج، بل في ما بعد الإنتاج، معتبراً أن تكرار خسارة المواسم يعكس خللاً في إدارة هذا المحصول الاستراتيجي.

فتح التصدير كمدخل للحل

يرى فريج أن فتح قنوات التصدير المنظّمة أمام الحمضيات السورية يشكّل أحد الحلول الأساسية، شرط أن يقترن بالالتزام بالمعايير المطلوبة وتحسين عمليات الفرز والتوضيب. وحين يُفتح باب التصدير بشكل مدروس، تتحول الحمضيات من عبء موسمي إلى مورد اقتصادي، وتستعيد دورها في دعم دخل المزارع، مشدداً على أهمية الدور الحكومي في تيسير هذا المسار.

التصنيع الزراعي.. عصائر بدل التلف

إلى جانب التصدير، يطرح فريج التصنيع الزراعي كحل مكمّل لا غنى عنه، ولا سيما في مجال إقامة معامل العصائر، والتجفيف، والمنتجات المشتقة من الحمضيات. ويؤكد أن تشجيع إقامة هذه المعامل، سواء عبر الاستثمار المحلي أو العربي، يساهم في امتصاص فائض الإنتاج، وخلق فرص عمل، وتحقيق قيمة مضافة، بدل ترك المحاصيل عرضة للتلف أو البيع بخسارة.

الاستثمار العربي.. دعم إضافي للرؤية الحكومية

ضمن هذه المقاربة، يرى الخبير الزراعي فريج أن الاستثمار العربي في الزراعة السورية يمكن أن يشكّل عامل دعم للرؤية الحكومية، من خلال إدخال التمويل والخبرة والتكنولوجيا، خصوصاً في مجالات التصنيع والتصدير. ويشدّد على أن هذا الاستثمار يجب أن يكون منظّماً، ويقوم على شراكات تحفظ حقوق المزارعين، وتتكامل مع سياسات الدعم، لا أن تحل محلّها.

تسهيلات تحمي المزارع وتعزّز الاستقرار

يؤكد فريج أن تقديم التسهيلات الائتمانية، وضمانات التسويق، وإشراك المزارعين في المشاريع الاستثمارية، يُعد عنصراً أساسياً في إنجاح أي خطة نهوض زراعي، لما لذلك من أثر مباشر على الاستقرار الاجتماعي في الريف.

الزراعة بين الفرصة والقرار

اليوم، تقف الزراعة في الساحل السوري أمام فرصة حقيقية لاستعادة دورها الاقتصادي، مستفيدة من التوجّه الحكومي الداعم ومن الإمكانات الطبيعية المتاحة. ويبقى التحدي في ترجمة هذا التوجّه إلى سياسات تنفيذية تحوّل الأرض المنتجة إلى اقتصاد منتج.

ويخلص فريج إلى أن الزراعة ليست عبئاً على الاقتصاد، بل فرصة نمو إذا أُديرت بعقلية اقتصادية واضحة، تبدأ بدعم المزارع وتنتهي بسوق منظّم وتصدير فعّال.

Leave a Comment
آخر الأخبار