الحريّة – ميليا اسبر:
تعمل الحكومة الحالية على إصلاح النظام الضريبي في سوريا، من خلال القرار الذي أصدرته وزارة المالية، القاضي بتشكيل لجنة تتولى هذه المهمة، وذلك بعد سنوات طويلة من وجود سياسة ضريبية غير حقيقية انعكست سلباً على إيرادات الخزينة العامة، وكذلك على الاقتصاد المحلي بشكل عام، ولاسيما بعد تهرّب ضريبي بأرقام كبيرة في زمن النظام السابق.
الخبير الاقتصادي شادي أحمد أوضح أنه من الطبيعي عندما يحدث تغيير جذري ضمن البنية السياسية والاقتصادية في أي مجتمع، لا بدّ أن تكون هناك مفرزات له، منها إعادة دراسة كاملة وشاملة لكل الجوانب الاقتصادية، منوهاً بأن إصدار هذا القرار أمر مهم جداً، لأنّ الضريبة في جوهرها أهم أدوات السياسة المالية في الاقتصاد بشكل عام، وهذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى إعادة النظر في جميع المفاصل الاقتصادية الأخرى، مشدداً على ضرورة تحويل الضريبة من أداة مالية تهدف إلى الجباية إلى أداة اقتصادية تسعى إلى تحفيز الاقتصاد وتحسين مستوى المعيشة من خلال إعادة توزيع الدخل، وكل تلك الأمور تسهم في بدء التعافي الاقتصادي.
وأوضح أحمد في تصريح لصحيفتنا “الحريّة” أنه حتى الآن لم تقرر اللجنة المشكّلة ما هي الضرائب التي ستلغى أو ستبقى، ولكن الأهم هو شكل النظام الضريبي الذي تحتاجه البلاد، لأن الضرائب مهمة جداً في رفد الخزينة العامة، ولكن بالمقابل المبالغة بالضريبة تؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي، حيث إن إلغاء أو إعفاء ضريبة سيؤدي إلى نقص في الخزينة العامة، لذلك من هنا يجب أن يكون لدينا نظام ضريبي يستطيع أن يملك مرونة كافية لتحريك عجلة الاقتصاد.
وأشار أحمد إلى أن الضريبة أحد العوامل المهمة لجذب الاستثمارات الخارجية، علماً أن السياسات السابقة من قانون الاستثمار رقم 10 في بداية التسعينيات كانت تعتمد على أنّ الإعفاء أو”الإغراء” الضريبي هو الجاذب الأول للاستثمارات، وكانت قد أُعطيت إعفاءات كبيرة جداً، ما أدى إلى ظهور استثمارات ليست حقيقية، بل وهمية استفاد أصحابها من الإعفاء الضريبي من دون أن تستفيد الخزينة العامة ودون أن ترفع مستوى الإيرادات العامة في الاقتصاد الوطني ودون أن ينعكس ذلك على المواطن.
من هنا يجب أن تكون لدينا تلك المراجعة الكافية، بحيث تعرف اللجنة أين تضع المكان الضريبي، فهل تأخذ بنظام ضريبة القيمة المضافة فقط؟ أو ضريبة مبيعات من حيث المنشأ، مبيناً وجود أصول اقتصادية واضحة، وهذه اللجنة تملك من الكفاءة ما يمكن أن يجعلها تقرر ذلك، لكن يجب أن تفتح حواراً عاماً مع المختصين لكي تحسّن صيغة القرار الذي يمكن أن تصل إليه.
وذكر أحمد أن التهرب الضريبي سابقاً كان يقدر بين40- 45 %، ومعالجة هذه المسألة ربما تكون بأساليب قمعية، بحيث تعمل الضابطة على متابعة كل المحال الاقتصادية، وتالياً تفرض الضريبة، إلاّ أنه قد يكون هذا الإجراء صعباً في بلدنا، بسبب عدم وجود كادر بشري كافٍ، مضيفاً: إن الكثير من الدول قطعت أشواطاً مهمة في مسألة التهريب الضريبي، وإذا أخذنا من تجاربها نستطيع توفير صيغة سورية مناسبة، يتم العمل منها عن طريق الرقابة الإلكترونية، وبعضها عن طريق الاستعلام المباشر، والبعض الآخر يكون بتشديد القوانين الخاصة بالتهرب الضريبي.
وختم أحمد بأنه يجب على اللجنة أن تضع الإجابات حول الأسئلة الأربعة الأساسية، ما شكل النظام الضريبي؟ هل ستكون الضريبة مالية أم ستصبح أداة اقتصادية استثمارية؟ كيف ستدير عملية الجباية للضرائب بطريقة ذكية تمنع التهرب؟ والسؤال الأخير: كيف ستحقق استثماراً جيداً لهذه الموارد الضريبية من أجل إعادة توظيفها في الاقتصاد الوطني لتصبح أيضاً هي من العوامل المولدة للدخل.
كيف نحوّله من أداة للجباية إلى محفز تنموي؟.. إصلاح النظام الضريبي خطوة مهمة نحو تحقيق التعافي الاقتصادي

Leave a Comment
Leave a Comment