من عباءة الوظيفة إلى ريادة الأعمال.. مبادرات شبابية في سوريا تكسر قيود الدخل المحدود

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية ـ نهلة أبو تك:

في زمنٍ تتراجع فيه فرص العمل وتزداد الضغوط المعيشية، يطرح منشورٌ انتشر مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي سؤالاً صريحاً وموجعاً: “شو شعورك وأنت عم تفيق كل يوم الساعة ستة الصبح لتحقق حلم غيرك؟”

منشورٌ خاطب آلاف الشباب السوريين الذين وجدوا أنفسهم أسرى “عباءة الوظيفة”، في إشارةٍ إلى حالة الاعتماد الكلي على الدخل الشهري المحدود، وغياب روح المبادرة الفردية في سوقٍ يعاني من الركود وصعوبة تأسيس المشاريع.

التحرر من “الأمان الوظيفي”

صاحب المنشور، وهو شاب يعمل حالياً في دمشق بعد تجربة في الإمارات، دعا الشباب إلى التحرر من فكرة “الأمان الوظيفي”، مؤكدًا أن “الثروة لا تأتي من الراتب، بل من الجرأة على التجربة”، واستعرض نماذج من الأعمال الصغيرة الممكنة في سوريا دون الحاجة إلى رأس مال كبير، مثل المطاعم الافتراضية، وخدمات الكوي والتوصيل، وإنتاج المحتوى الإعلامي المستقل.

تجارب من الواقع

بينما يتحدث كثيرون عن صعوبة البدء، كانت مرام، خريجة إدارة الأعمال، مثالاً لمن اختارت كسر دائرة الانتظار، فبعد أن عجزت عن إيجاد فرصة عمل في مجالها، قررت تعلم فن تصفيف الشعر والمكياج.

تحمل حقيبتها يومياً، تتنقّل بين المنازل والمناسبات، وتأخذ مواعيدها عبر الهاتف، ومع مرور الوقت، أصبح دخلها الشهري يغطي احتياجاتها الأساسية ويمنحها استقلالية كانت تحلم بها.

أما منال، فقد وجدت في مطبخها باب رزقٍ واسعاً، بدأت بتحضير المأكولات المنزلية في بيتها، وأنشأت صفحة على فيسبوك لعرض منتجاتها، شيئاً فشيئاً، ذاع صيتها وأصبحت تمتلك قاعدة زبائن واسعة، لتتحوّل من ربة منزل إلى اسم معروف في مجال المأكولات البيتية.

وفي الزاوية الأخرى من المشهد، يقف مضر، شاب لم يجد عملاً رغم محاولاته الكثيرة، بعد أن عجز عن تأمين بدل إيجار لمحل صغير، قرر العمل من منزله، وامتهن تلبية طلبات الأراكيل للمنازل والمقاهي الصغيرة، ومع الاجتهاد والالتزام، بدأ يكوّن شبكة زبائن ثابتة، جعلت من مشروعه الصغير مصدر رزق مستقر.

هذه القصص ليست استثناءً، بل مؤشر على موجة جديدة من التفكير العملي في صفوف الشباب السوريين، الذين باتوا يبحثون عن حلول واقعية في بيئة اقتصادية صعبة.

ثقافة المبادرة الفردية

في حديثه لـ الحرية، يرى رائد الأعمال خالد الخياط أن ما يحدث اليوم يعكس تحول حقيقي في الوعي الاقتصادي للشباب السوري، قائلاً:

ما نراه هو بداية ثقافة جديدة تعتمد على المبادرة الفردية، الشباب صاروا يدركون أن الوظيفة لم تعد تضمن لهم الاستقرار، وأن العمل الحر، مهما كان بسيطاً، يمكن أن يكون نواة مشروع ناجح.

ويضيف الخياط إن سوريا تمتلك طاقات بشرية ضخمة رغم الظروف الصعبة، وإن الفرص لا تزال موجودة، لكنها تحتاج إلى من يراها بعيون مختلفة، موضحاً أن عدداً من المشاريع الصغيرة القائمة حالياً بدأ بفكرة من داخل المنازل، وتطور تدريجياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

بحسب مختصين في الاقتصاد الاجتماعي، فإنّ ارتفاع معدلات البطالة دفع بالكثيرين إلى البحث عن بدائل عمل غير تقليدية، وتشير المؤشرات المحلية إلى زيادة لافتة في المشاريع الفردية المرتبطة بالطهي، وصيانة الأجهزة، وخدمات التجميل، والتسويق الإلكتروني، وهي مجالات لا تحتاج إلى رأس مال كبير، لكنها تتطلب الإصرار والاستمرارية.

ويرى الخياط أن دعم رواد الأعمال الشباب بالتدريب والإرشاد يمكن أن يخلق جيلاً جديداً من المنتجين داخل البلاد، قائلاً: من يمتلك الموهبة والرغبة يستطيع أن يبدأ من الصفر، المهم أن يتجاوز الخوف من الفشل.

الثروة تبدأ من فكرة

من “عباءة الوظيفة” إلى عالم المبادرات الفردية، يتشكل اليوم في سوريا وعيٌ جديد يتجاوز انتظار الفرص نحو صناعة الفرص. وبينما تستمر التحديات الاقتصادية، يبقى الأمل معقوداً على عقولٍ شابة تجرؤ على التجريب، وتؤمن بأن الثروة تبدأ من فكرة… لا من رأس مال.

ربما أصعب خطوة في طريق النجاح هي الخطوة الأولى… خطوة الخروج من دائرة الانتظار.

أن تبدأ اليوم بفكرة بسيطة، يعني أنك فتحت باباً جديداً في حياتك، وربما باب رزقٍ لغيرك أيضاً.

في بلدٍ أنهكته الظروف، لا يزال هناك متّسع للحلم، فقط لمن يملك شجاعة البداية.

Leave a Comment
آخر الأخبار